كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

وَقَالَ ظَبْيَانُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (1) هِيَ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ (2) .
{أَصْلُهَا ثَابِتٌ} فِي الْأَرْضِ، {وَفَرْعُهَا} أَعْلَاهَا، {فِي السَّمَاءِ} كَذَلِكَ أَصْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ: رَاسِخٌ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ بِالْمَعْرِفَةِ وَالتَّصْدِيقِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ بِهَا عَرَجَتْ، فَلَا تُحْجَبُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فَاطِرٍ -10) .
__________
(1) نقله عنه الطبري: 16 / 573، وابن الجوزي في زاد المسير: 4 / 358، وزاد قولا ثالثا فيها، وهو: أنها المؤمن، وأصله الثابت، أن يعمل في الأرض، ويبلغ عمله السماء، وهذا رواه عطية عن ابن عباس أيضا.
(2) في "ب": الشام.
{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) } .
{تُؤْتِي أُكُلَهَا} تُعْطِي ثَمَرَهَا، {كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} 193/ب وَالْحِينُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْوَقْتُ.
وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ هَا هُنَا فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: الْحِينُ هَا هُنَا: سَنَةٌ كَامِلَةٌ، لِأَنَّ النَّخْلَةَ تُثْمِرُ كُلَّ سَنَةٍ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ إِطْلَاعِهَا إِلَى صِرَامِهَا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقِيلَ: أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ ظُهُورِهَا إِلَى إِدْرَاكِهَا.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: شَهْرَانِ مِنْ حِينِ تُؤْكَلُ إِلَى حِينِ الصِّرَامِ.
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: "كُلَّ حِينٍ": أَيْ: كُلَّ غَدْوَةٍ وَعَشِيَّةٍ، لِأَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ يُؤْكَلُ أَبَدًا لَيْلًا وَنَهَارًا، صَيْفًا وَشِتَاءً، إِمَّا تَمْرًا أَوْ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا، كَذَلِكَ عَمَلُ الْمُؤْمِنِ يَصْعَدُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَبَرَكَةُ إِيمَانِهِ لَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا، بَلْ تَصِلُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ (1) .
وَالْحِكْمَةُ فِي تَمْثِيلِ الْإِيمَانِ بِالشَّجَرَةِ: هِيَ أَنَّ الشَّجَرَةَ لَا تَكُونُ شَجَرَةً إِلَّا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: عِرْقٌ رَاسِخٌ، وَأَصْلٌ قَائِمٌ، وَفَرْعٌ عَالٍ، كَذَلِكَ الْإِيمَانُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ، وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْأَبْدَانِ.
__________
(1) انظر هذه الأقوال الخمسة في معنى "الحين"، وقولا سادسا عن علي: أنه ثمانية أشهر، في: تفسير الطبري: 16 / 575-579، الدر المنثور: 5 / 24-25، وزاد المسير: 4 / 359، البحر المحيط: 5 / 422. قال الطبري: "وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول مَنْ قال: عنى بالحين، في هذا الموضع؛ غدوة وعشية وكل ساعة؛ لأن الله تعالى ذكره ضرب ما تؤتي هذه الشجرة كل حين من الأكل لعمل المؤمن وكلامه مثلا، ولا شك أن المؤمن يُرفع له إلى الله في كل يوم صالح من العمل والقول، لا في كل سنة، أو في كل ستة أشهر، أو في كل شهرين، فإذا كان ذلك كذلك، فلا شك أن المَثَل لا يكون خلافا للممثَّل به في المعنى، وإذا كان ذلك كذلك كان بَيِّنًا صحة ما قلنا. فإن قال قائل: فأي نخلة تؤتي أكلها في كل وقت أكلا صيفا وشتاء؟ قيل: أما في الشتاء: فإن الطلع من أكلها، وأما في الصيف: فالبلح والبسر والرطب والتمر، وذلك كله من أكلها".

الصفحة 347