كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

فِي أَمْرِهِمْ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعَتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سُنُّوا بِهِمْ سَنَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ" (1) .
وَفِي امْتِنَاعِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَأْيَ الصَّحَابَةِ كَانَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ] (2) مِنْ كُلِّ مُشْرِكٍ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمَجُوسَ: هَلْ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَمْ لَا؟ فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ يَدْرُسُونَهُ فَأَصْبَحُوا، وَقَدْ أُسْرِيَ عَلَى كِتَابِهِمْ، فَرُفِعَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهُمْ (3) .
وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ ذَبَائِحِ الْمَجُوسِ وَمُنَاكَحَتِهِمْ بِخِلَافِ أَهَّلِ الْكِتَابَيْنِ.
أَمَّا مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ نُظِرَ: إِنْ دَخَلُوا فِيهِ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، وَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ، وَإِنْ دَخَلُوا فِي دِينِهِمْ بَعْدَ النَّسْخِ بِمَجِيءِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ، وَمَنْ شَكَكْنَا فِي أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ دَخَلُوا فِيهِ بَعْدَ النَّسْخِ أَوْ قَبْلَهُ: يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ، فَمِنْهُمْ نَصَارَى الْعَرَبِ مِنْ تَنُّوخَ وَبَهْرَاءَ وَبَنِي تَغَلِبَ، أَقَرَّهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَقَالَ: لَا تَحِلُّ لَنَا ذَبَائِحُهُمْ.
وَأَمَّا قَدْرُ الْجِزْيَةِ: فَأَقَلُّهُ دِينَارٌ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَصَ مِنْهُ، وَيُقْبَلُ الدِّينَارُ مِنَ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ وَالْوَسَطِ لِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غِيلَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
__________
(1) أخرجه مالك في الموطأ، باب الزكاة: 1 / 278، والشافعي: 2 / 130 (ترتيب المسند) ، وأبو عبيد في الأموال ص (42) ، وابن أبي شيبة في المصنف: 3 / 224، والخطيب في تاريخ بغداد: 10 / 88، والبيهقي في السنن: 9 / 189، والمصنف في شرح السنة: 11 / 169. وقال ابن عبد البر: هذا حديث منقطع، لكن معناه يتصل من وجوه حسان. وانظر: نصب الراية: 3 / 448-449، مجمع الزوائد: 6 / 13، إرواء الغليل: 5 / 88.
(2) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(3) جاء ذلك في خبر عن علي رضي الله عنه أخرجه الشافعي في المسند: 2 / 131، وفيه سعيد بن المرزبان: مجروح. قال يحيى بن سعيد القطان: لا أستحل أروي عنه. وانظر: نصب الراية: 3 / 449-450.

الصفحة 35