كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ قَوْلًا فَقُلْتُ مِثْلَهُ، لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ فَيُقَالُ لِلْأَرْضِ الْتَئِمِي عَلَيْهِ فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، فَتَخْتَلِفُ أَضْلَاعُهُ، فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ" (1) .
وَرُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَبَضَ رُوحَ الْمُؤْمِنِ وَقَالَ: "فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فِي قَبْرِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ [فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ وَدِينِيَ الْإِسْلَامُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ فَيَنْتَهِرَانِهِ وَيَقُولَانِ لَهُ الثَّانِيَةَ: مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمِنْ نَبِيُّكَ] (2) وَهِيَ آخِرُ فِتْنَةٍ تُعْرَضُ عَلَى الْمُؤْمِنِ فَيُثَبِّتُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ وَدِينِيَ الْإِسْلَامُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} (3) . 194/أ
أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التُّرَابِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بِسْطَامٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى (4) الْفَرَّاءُ أَبُو إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الرَّجُلِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ" (5) .
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ وَهُوَ يَبْكِي: فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَلَا تَصْحَبُنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَسُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقَسَّمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ، وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} أَيْ: لَا يَهْدِي الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْجَوَابِ بِالصَّوَابِ فِي الْقَبْرِ {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} مِنَ التَّوْفِيقِ وَالْخُذْلَانِ وَالتَّثْبِيتِ وَتَرْكِ التَّثْبِيتِ.
__________
(1) أخرجه الترمذي في الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر: 4 / 181-184، وقال: وهو حديث حسن غريب. وفي الباب عن علي، وزيد بن ثابت، وابن عباس والبراء بن عازب، وأبي أيوب، وأنس، وجابر، وعائشة، وأبي سعيد كلهم رووا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عذاب القبر. وأخرجه ابن حبان في الجنائز، باب الميت يسأل ويسمع، ص (197) من موارد الظمآن. وحسّنه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح، وقال: هو على شرط مسلم: 1 / 47.
(2) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(3) قطعة من حديث طويل أخرجه أبو داود في السنة، باب المسألة في القبر: 7 / 139-141، والحاكم في المستدرك: 1 / 37، 39، والإمام أحمد في المسند: 4 / 295-296. وصححه الألباني في تعليقه على المشكاة 1 / 48. وأخرجه الطبري في التفسير من عدة طرق انظر: 16 / 589-595.
(4) في "ب": ابن محمد.
(5) أخرجه أبو داود في الجنائز، باب الاستغفار عند القبر للميت: 4 / 339، والبيهقي في السنن الكبرى: 4 / 56، وحسنه النووي في الأذكار ص (137) ، وصححه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح: 1 / 48.

الصفحة 351