كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ (1) ... ذَكَرْنَا تِلْكَ الْقِصَّةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ (2) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ} الْأَفْئِدَةُ: جَمْعُ الْفُؤَادِ {تَهْوِي إِلَيْهِمْ} تَشْتَاقُ وَتَحِنُّ إِلَيْهِمْ.
قَالَ السُّدِّيُّ: مَعْنَاهُ أَمِلْ قُلُوبَهُمْ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: لَوْ قَالَ أَفْئِدَةَ النَّاسِ لَزَاحَمَتْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ وَالتُّرْكُ وَالْهِنْدُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَحَجَّتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: "أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ" وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ.
{وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} مَا رَزَقْتَ سُكَّانَ الْقُرَى ذَوَاتِ الْمَاءِ، {لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} .
{رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) } .
{رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ} مِنْ أُمُورِنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: مِنِ الْوَجْدِ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ حَيْثُ أَسْكَنْتُهُمَا بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ. {وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} قِيلَ: هَذَا صِلَةُ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ.
وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} (3) .
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ} أَعْطَانِي، {إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وُلِدَ إِسْمَاعِيلُ لِإِبْرَاهِيمَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَوُلِدَ إِسْحَاقُ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بُشِّرَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْحَاقَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً (4) .
__________
(1) أخرجه البخاري في الأنبياء، باب يزفون النسلان في المشي: 6 / 396-398.
(2) انظر فيما سبق: 1 / 147-148.
(3) في البحر المحيط: 5 / 433 جاءت العبارة أوضح فقال: وقيل "وما يخفى ... " الآية، من كلام الله عز وجل تصديقا لإبراهيم عليه السلام، كقوله تعالى: "كذلك يفعلون".
(4) انظر: المحرر الوجيز: 8 / 256.

الصفحة 357