كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

وَقِيلَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ (1) حِينَ يُخْرِجُ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النَّارِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، وَمَعَهُمْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، قَالَ الْكَفَّارُ لِمَنْ فِي النَّارِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ: أَلَسْتُمْ مُسْلِمِينَ؟ قَالُوا بَلَى، قَالُوا: فَمَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِسْلَامُكُمْ وَأَنْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ؟ قَالُوا: كَانَتْ لَنَا ذُنُوبٌ فَأُخِذْنَا بِهَا، فَيَغْضَبُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ [بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ] (2) فَيَأْمُرُ بِكُلِّ مَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فِي النَّارِ فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا، فَحِينَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (3) .
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ "رُبَمَا" وَهِيَ لِلتَّقْلِيلِ وَهَذَا التمني يكثر من الْكُفَّارُ؟
قُلْنَا: قَدْ تُذْكَرُ "رُبَمَا" لِلتَّكْثِيرِ، أَوْ أَرَادَ: أَنَّ شُغْلَهُمْ بِالْعَذَابِ لَا يُفَرِّغُهُمْ لِلنَّدَامَةِ إِنَّمَا يَخْطُرُ ذَلِكَ بِبَالِهِمْ أَحْيَانًا.
{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) } .
{ذَرْهُمْ} يَا مُحَمَّدُ، يَعْنِي: الَّذِينَ كَفَرُوا {يَأْكُلُوا} فِي الدُّنْيَا {وَيَتَمَتَّعُوا} مِنْ لَذَّاتِهِمْ (4) {وَيُلْهِهِمُ} يَشْغَلُهُمْ {الْأَمَلُ} عَنِ الْأَخْذِ بِحَظِّهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} إِذَا وَرَدُوا الْقِيَامَةَ وَذَاقُوا وَبَالَ مَا صَنَعُوا، وَهَذَا تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: "ذَرْهُمْ" تَهْدِيدٌ، وَقَوْلُهُ: "فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" تَهْدِيدٌ آخَرُ، فَمَتَى (5) يَهْنَأُ الْعَيْشُ بَيْنَ تَهْدِيدَيْنِ؟
وَالْآيَةُ نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ (6) .
__________
(1) في "ب" وهو المشهور، أنه.
(2) ساقط من "ب".
(3) أخرجه ابن جرير الطبري في التفسير: 14 / 2 (طبع الحلبي) وابن أبي عاصم في "السنة" 1 / 405-406، والحاكم في "المستدرك: 2 / 442، وقال: صحيح ولم يخرجاه. قال الهيثمي في "المجمع" (7 / 45) "رواه الطبراني، وفيه خالد بن نافع الأشعري، قال أبو داود: متروك. قال الذهبي: هذا تجاوز في الحد، فقد حدث عنه أحمد بن حنبل وغيره - وبقية رجاله ثقات". وعزاه في "كنز العمال" (14 / 541) أيضا لابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في "البعث والنشور" وانظر: تفسير ابن كثير: 2 / 547. وصححه الألباني في "ظلال الجنة في تخريج السنة" 1 / 406.
(4) في "ب" في لذاتها.
(5) في "أ" فكيف.
(6) ذكر هذا كثير من المفسرين، انظر: الناسخ والمنسوخ لأبي القاسم هبة الله بن سلامة ص (58) المحرر الوجيز: 8 / 281، زاد المسير: 4 / 382. هذا، وقد ألمحنا في موضع سابق من هذا التفسير إلى أن بعض العلماء توسعوا كثيرا في الحكم على كثير من آيات الصبر والمسالمة والإعراض عن المشركين وتهديدهم بالعذاب بالنسخ، وجعلوا آية القتال أو آية السيف ناسخة لأكثر من مائة آية في القرآن الكريم. وفي هذا غلو في القول بالنسخ، وخروج به عن مفهمومه الصحيح. انظر: علوم القرآن، لأستاذنا الدكتور عدنان محمد زرزور ص (210-212) واقرأ الفصل بكامله عن "الناسخ والمنسوخ".

الصفحة 368