كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

نُجُومًا غَيْرَهَا، وَهِيَ وَاللَّهِ ثَابِتَةٌ عَلَى حَالِهَا فَهَذَا الْأَمْرُ أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الْخَلْقِ (1) .
قَالَ مَعْمَرٌ قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: أَكَانَ يُرْمَى بِالنُّجُومِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} [جن-6] الْآيَةَ؟ قَالَ: غُلِّظَتْ وَشُدِّدَ أَمْرُهَا حِينَ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) .
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّ الرَّجْمَ كَانَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ [مِثْلُهُ] (3) فِي شِدَّةِ الْحِرَاسَةِ بَعْدَ مَبْعَثِهِ (4) .
وَقِيلَ: إِنَّ النَّجْمَ يَنْقَضُّ فَيَرْمِي الشَّيَاطِينَ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى مَكَانِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) } .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} بَسَطْنَاهَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، يُقَالُ: إِنَّهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ فِي مِثْلِهَا دُحِيَتْ مِنْ تَحْتِ الْكَعْبَةِ (5) {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} جِبَالًا ثَوَابِتَ، وَقَدْ كَانَتِ الْأَرْضُ تَمِيدُ إِلَى أَنْ أَرْسَاهَا اللَّهُ بِالْجِبَالِ {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا} أَيْ: فِي الْأَرْضِ {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} مُقَدَّرٍ مَعْلُومٍ.
وَقِيلَ: يَعْنِي فِي الْجِبَالِ، وَهِيَ جَوَاهِرُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهَا، حَتَّى الزَّرْنِيخِ وَالْكُحْلِ كُلُّ ذَلِكَ يُوزَنُ وَزْنًا.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تُوزَنُ وَزْنًا (6) .
{وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} جَمْعُ مَعِيشَةٍ، قِيلَ: أَرَادَ بِهَا الْمَطَاعِمَ وَالْمَشَارِبَ وَالْمَلَابِسَ [وَهِيَ مَا] (7) يَعِيشُ بِهِ الْآدَمِيُّ (8) فِي الدُّنْيَا {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} أَيْ: جَعَلْنَا فِيهَا مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ، أَيْ: جَعَلْنَاهَا لَكُمْ وَكَفَيْنَاكُمْ رِزْقَهَا، وَ"مَنْ" فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى "مَا" كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ} (النُّورِ-45) .
__________
(1) انظر: تفسير القرطبي: 10 / 12.
(2) رواه عبد الرزاق عن معمر. انظر: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ص (429) تحقيق السيد صقر.
(3) استدركناها من "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة واضطربت العبارة في المطبوع اضطرابا كثيرا، وفيها زيادات، ليست في "تأويل المشكل" ولا في النسخ الخطية.
(4) انظر: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ص (430) .
(5) انظر: البحر المحيط: 5 / 450. وذكر المصنف ذلك بصيغة التمريض، ولا دليل ثابت عن المعصوم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك.
(6) والمعنى الأول أعم وأحسن. انظر: المحرر الوجيز: 8 / 293.
(7) في "أ" وقيل.
(8) في "ب" المرء.

الصفحة 374