كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

وَفِي [بَعْضِ] الْآثَارِ: مَا هَبَّتْ رِيحُ الْجَنُوبِ إِلَّا وَبَعَثَ عَيْنًا غَدِقَةً (1) .
وَأَمَّا الرِّيحُ الْعَقِيمُ: فَإِنَّهَا تَأْتِي بِالْعَذَابِ وَلَا تُلَقِّحُ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَنْ لَا أُتَّهَمُ بِحَدِيثِهِ، حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا هَبَّتْ رِيحٌ قَطُّ إِلَّا جَثَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} (الْقَمَرِ-19) {إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} (الذَّارِيَاتِ-41) وَقَالَ: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} (الْحِجْرِ-22) وَقَالَ: {أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} (2) (الرُّومِ-41) .
قَوْلُهُ: {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} أَيْ: جَعَلَنَا الْمَطَرَ لَكُمْ سَقْيًا، يُقَالُ: أَسْقَى فُلَانٌ فُلَانًا: إِذَا جَعَلَ لَهُ سَقْيًا، وَسَقَاهُ: إِذَا أَعْطَاهُ مَا يَشْرَبُ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: سَقَيْتُ الرَّجُلَ مَاءً وَلَبَنًا إِذَا كان لسقيه (3) 196/ب فَإِذَا جَعَلُوا لَهُ مَاءً لِشُرْبِ أَرْضِهِ وَدَوَابِّهِ تَقُولُ: أَسْقَيْتُهُ.
{وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} يَعْنِي الْمَطَرَ فِي خَزَائِنِنَا لَا فِي خَزَائِنِكُمْ. وَقَالَ سُفْيَانُ: بِمَانِعِينَ.
{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) } .
{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} بِأَنْ نُمِيتَ جَمِيعَ الْخَلَائِقِ، فَلَا يَبْقَى حَيٌّ سِوَانَا.
وَالْوَارِثُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قِيلَ: الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ الْخَلْقِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّ مَصِيرَ الْخَلْقِ إِلَيْهِ (4) .
__________
(1) أخرج البيهقي في السنن: 3 / 363 عن عبد الله مرفوعا: "ما عام بأمطر من عام، ولا هبت جنوب إلا سال وادي" وقال: كذا روي مرفوعا، والصحيح أنه موقوف.
(2) أخرجه الشافعي في المسند: 1 / 75، وفيه العلاء بن راشد وهو مجهول، ورواه الطبراني، ومسدد، وأبو يعلى، والبيهقي في "الدعوات الكبير". قال الهيثمي: وفيه حسين بن قيس الملقب بحنش، وهو متروك. وقال البوصيري: رواه مسدد وأبو يعلى بسند ضعيف لضعف حسين بن قيس. انظر: مجمع الزوائد: 10 / 136، المطالب العالية: 3 / 238، مشكاة المصابيح: 1 / 481.
(3) في "ب" لشفته.
(4) قال البيهقي في "الأسماء والصفات" (1 / 41) "الوارث: ومعناه الباقي بعد ذهاب غيره. وربنا جل ثناؤه بهذه الصفة؛ لأنه يبقى بعد ذهاب الملاك الذين أمتعهم في هذه الدنيا بما آتاهم، لأن وجودهم ووجود الأملاك كان به، ووجوده ليس بغيره. وهذا الاسم مما يؤثر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خير الأسامي". وانظر: "المنهاج في شعب الإيمان" للحليمي: 1 / 189.

الصفحة 376