كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

وَمَرَّ بِهِ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَقَالَ جِبْرِيلُ: كَيْفَ تَجِدُ هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ، فَأَشَارَ جِبْرِيلُ إِلَى أَخْمَصِ رِجْلَيْهِ، وَقَالَ: قَدْ كُفِيتَهُ، فَخَرَجَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَمَعَهُ ابْنَانِ لَهُ يَتَنَزَّهُ فَنَزَلَ شِعْبًا مِنْ تِلْكَ الشِّعَابِ فَوَطِئَ عَلَى شَبْرَقَةٍ فَدَخَلَتْ مِنْهَا شَوْكَةٌ فِي أَخْمَصِ رِجْلِهِ، فَقَالَ: لُدِغْتُ لُدِغْتُ، فَطَلَبُوا فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا، وَانْتَفَخَتْ رِجْلُهُ حَتَّى صَارَتْ مِثْلَ عُنُقِ الْبَعِيرِ، فَمَاتَ مَكَانَهُ.
وَمَرَّ بِهِ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: كَيْفَ تَجِدُ هَذَا؟ قَالَ عَبْدُ سُوءٍ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: قَدْ كُفِيتَهُ، فَعَمِيَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَمَاهُ جِبْرِيلُ بِوَرَقَةٍ خَضْرَاءَ فَذَهَبَ بَصَرُهُ وَوَجِعَتْ عَيْنَاهُ، فَجَعَلَ يَضْرِبُ بِرَأْسِهِ الْجِدَارَ حَتَّى هَلَكَ.
وَفِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ: أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ قَاعِدٌ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ فَجَعَلَ يَنْطَحُ رَأْسَهُ بِالشَّجَرَةِ وَيَضْرِبُ وَجْهَهُ بِالشَّوْكِ، فَاسْتَغَاثَ بِغُلَامِهِ، فَقَالَ غُلَامُهُ: لَا أَرَى أَحَدًا يَصْنَعُ بِكَ شَيْئًا غَيْرَ نَفْسِكَ، حَتَّى مَاتَ، وَهُوَ يَقُولُ قَتَلَنِي رَبُّ مُحَمَّدٍ.
وَمَرَّ بِهِ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: كَيْفَ تَجِدُ هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى أَنَّهُ ابْنُ خَالِي. فَقَالَ: قَدْ كُفِيتَهُ، وَأَشَارَ إِلَى بَطْنِهِ فَاسْتَسْقَى [بَطْنَهُ] (1) فَمَاتَ حِينًا.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْكَلْبِيِّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَهْلِهِ فَأَصَابَهُ السَّمُومُ فَاسْوَدَّ حَتَّى عَادَ حَبَشِيًّا، فَأَتَى أَهْلَهُ فَلَمْ يَعْرِفُوهُ، وَأَغْلَقُوا دُونَهُ الْبَابَ حَتَّى مَاتَ، وَهُوَ يَقُولُ: قَتَلَنِي رَبُّ مُحَمَّدٍ.
وَمَرَّ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ جِبْرِيلُ: كَيْفَ تَجِدُ هَذَا يَا مُحَمَّدُ؛ فَقَالَ: عَبْدُ سُوءٍ فَأَوْمَأَ إِلَى رَأْسِهِ وَقَالَ: قَدْ كُفِيتَهُ فَامْتَخَطَ قَيْحًا فَقَتَلَهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ أَكَلَ حُوتًا مَالِحًا فَأَصَابَهُ الْعَطَشُ فَلَمْ يَزَلْ يَشْرَبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ حَتَّى انْقَدَّ بَطْنُهُ فَمَاتَ (2) فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} بِكَ وَبِالْقُرْآنِ.
{الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}
{الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) }
وَقِيلَ: [اسْتِهْزَاؤُهُمْ] (3) وَاقْتِسَامُهُمْ: هُوَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ،
__________
(1) ساقط من "أ".
(2) انظر: تفسير الطبري: 14 / 69-72، زاد المسير: 4 / 421-423، الدر المنثور: 5 / 100-102، المحرر الوجيز: 359-361، البحر المحيط: 5 / 469-470، سيرة ابن هشام: 1 / 408-409.
(3) ساقط من "ب".

الصفحة 396