كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يَقْضِيَ بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، وَلَا صَاحِبِ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ، وَلَا جَلْحَاءُ، وَلَا عَضْبَاءُ، تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا، رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ" (1) .
وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ، يَعْنِي: شِدْقَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلَا {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ} الْآيَةَ (2) .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَالٍ زَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَهُوَ كَنْزٌ أَدَّيْتَ مِنْهُ الزَّكَاةَ أَوْ لَمْ تُؤَدِّ، وَمَا دُونَهَا نَفَقَةٌ (3) .
وَقِيلَ: مَا فَضُلَ عَنِ الْحَاجَةِ فَهُوَ كَنْزٌ. أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبَدِ الْقَاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: "هُمُ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ"، قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ، فَلَمْ أَتَقَارَّ أَنْ قُمْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "هُمُ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا إِلَّا مَنْ قَالَ: هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَمَنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ" (4)
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ تَرَكَ بَيْضَاءَ، أَوْ حَمْرَاءَ، كُوِيَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ (5) .
__________
(1) أخرجه مسلم في الزكاة، باب إثم مانع الزكاة -برقم (987) : 2 / 680-681، والمصنف في شرح السنة: 5 / 480.
(2) أخرجه البخاري في الزكاة: باب إثم مانع الزكاة: 3 / 268، والمصنف في شرح السنة: 5 / 478.
(3) أخرجه الطبري في التفسير: 14 / 219-220.
(4) أخرجه البخاري في الأيمان -باب كيف كان يمين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 11 / 524، ومسلم في الزكاة، باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة- برقم (990) : 2 / 686.
(5) أخرجه الإمام أحمد في المسند: 5 / 168، والطبري: 14 / 220. وعزاه ابن حجر أيضا للبخاري في التاريخ - وابن مردويه من طريق عبد الله بن عبد الواحد الثقفي عن أبي النجيب الشامي عن أبي ذر، وعن ثوبان أخرجه ابن مردويه والطبراني في مسند الشاميين بلفظ أخر. انظر: الكافي الشاف ص (75-76) .

الصفحة 42