كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)
رُوِيَ أَنَّ عُدَيَّ بْنَ حَاتِمٍ جَاءَ أَبَا بَكْرٍ الصَّدِيقَ بِثَلَاثِمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ مِنْ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْهَا ثَلَاثِينَ بَعِيرًا.
وَأَمَّا الْكُفَّارُ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ: فَهُوَ مَنْ يُخْشَى شَرُّهُ مِنْهُمْ، أَوْ يُرْجَى إِسْلَامُهُ، فَيُرِيدُ الْإِمَامُ أَنَّ يُعْطِيَ هَذَا حَذَرًا مِنْ شَرِّهِ، أَوْ يُعْطِيَ ذَلِكَ تَرْغِيبًا لَهُ في الإسلام 160/أفَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهِمْ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ، كَمَا أَعْطَى صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ لِمَا يَرَى مِنْ مَيْلِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ، أَمَّا الْيَوْمُ فَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فَلَهُ الْحَمْدُ، وَأَغْنَاهُ أَنْ يُتَأَلَّفَ عَلَيْهِ رِجَالٌ، فَلَا يُعْطَى مُشْرِكٌ تَأَلُّفًا بِحَالٍ، وَقَدْ قَالَ بِهَذَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُؤَلَّفَةَ مُنْقَطِعَةٌ وَسَهْمَهُمْ سَاقِطٌ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ.
وَقَالَ قَوْمٌ: سَهْمُهُمْ ثَابِتٌ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يُعْطَونَ إِنِ احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} وَالصِّنْفُ الْخَامِسُ: هُمُ الرِّقَابُ، وَهُمُ الْمُكَاتَبُونَ، لَهُمْ سَهْمٌ مِنَ الصَّدَقَةِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يُشْتَرَى بِسَهْمِ الرِّقَابِ عَبِيدٌ فَيُعْتَقُونَ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْغَارِمِينَ} الصِّنْفُ السَّادِسُ هُمْ: الْغَارِمُونَ، وَهُمْ قِسْمَانِ: قِسْمٌ دَانُوا لِأَنْفُسِهِمْ فِي غَيْرِ مَعْصِيَتِهِ، فَإِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنَ الصَّدَقَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنَ الْمَالِ مَا يَفِي بِدُيُونِهِمْ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ وَفَاءٌ فَلَا يُعْطَوْنَ، وَقِسْمٌ أَدَانُوا فِي الْمَعْرُوفِ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ مَا يَقْضُونَ بِهِ دُيُونَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرْخَسِيُّ، أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا" (1) .
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّصِلًا بِمَعْنَاهُ (2) .
__________
(1) رواه مرسلا: مالك في الموطأ، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة ومن يجوز له أخذها: 1 / 268، وأبو داود في الزكاة، باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني: 2 / 234-235.
(2) أخرجه أبو داود في الموضع السابق نفسه، وابن ماجه في الزكاة برقم (1841) : 1 / 590. والمصنف في شرح السنة: 6 / 89.
الصفحة 64