كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)
كَذَا وَكَذَا، فَقَالُوا: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، أَيْ كُنَّا نَتَحَدَّثُ وَنَخُوضُ فِي الْكَلَامِ كَمَا يَفْعَلُ الرَّكْبُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ بِالْحَدِيثِ وَاللَّعِبِ.
قَالَ عمر (1) فلقد 161/أرَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ يَشْتَدُّ قُدَّامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحِجَارَةُ تَنْكُبُهُ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، مَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ (2) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ} أَيْ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ} كِتَابِهِ، {وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} .
{لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) } .
{لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، وَهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ؟.
قِيلَ: مَعْنَاهُ: أَظْهَرْتُمُ الْكَفْرَ بَعْدَمَا أَظْهَرْتُمُ الْإِيمَانَ.
{إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ} أَيْ: نَتُبْ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْكُمْ، وَأَرَادَ بِالطَّائِفَةِ وَاحِدًا، {نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} بِالِاسْتِهْزَاءِ. قَرَأَ عَاصِمٌ: "نَعْفُ" بِالنُّونِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّ الْفَاءِ، "نُعَذِّبْ" بِالنُّونِ وَكَسْرِ الذَّالِ، {طَائِفَةً} نُصِبَ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: "يُعْفَ" بِالْيَاءِ وَضَمِّهَا وَفَتَحِ الْفَاءِ، {تُعَذَّبْ} بِالتَّاءِ وَفَتْحِ الذَّالِ، "طَائِفٌ" رُفِعَ عَلَى غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: الَّذِي عَفَا عَنْهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ، هُوَ مَخْشِيُّ بْنُ حُمَيِّرٍ الْأَشْجَعِيِّ، يُقَالُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَضْحَكُ وَلَا يَخُوضُ، وَكَانَ يَمْشِي مُجَانِبًا لَهُمْ وَيُنْكِرُ بَعْضَ مَا يَسْمَعُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَابَ مِنْ نِفَاقِهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَزَالُ أَسَمَعُ آيَةً تُقْرَأُ أُعْنَى بِهَا تَقْشَعِرُّ الْجُلُودُ مِنْهَا، وَتَجِبُ (3) مِنْهَا الْقُلُوبُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ وَفَاتِي قَتْلًا فِي سَبِيلِكَ لَا يَقُولُ أَحَدٌ أَنَّا غُسِّلْتُ أَنَا كُفِّنْتُ أَنَا دُفِنْتُ، فَأُصِيبَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، فَمَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا عُرِفَ مَصْرَعُهُ غَيْرَهُ (4) .
__________
(1) هكذا في النسختين: "قال عمر". والصواب: "ابن عمر".
(2) انظر: تفسير الطبري: 14 / 333-334، أسباب النزول للواحدي ص (288) ، الدر المنثور: 4 / 230-231.
(3) وجب قلبه يجب وجيبا: خفق واضطرب.
(4) سيرة ابن هشام: 2 / 525. وفيه: مخشِّن بن حمير، ويقال: مَخْشِيّ.
الصفحة 70