كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 4)

{أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} أَيْ: كَمَا حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَخَسِرُوا كَذَلِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُكُمْ وَخَسِرْتُمْ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الصَّنْعَانِيُّ مِنَ الْيَمَنِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ"؟ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ: "فَهَلِ النَّاسُ إِلَّا هُمْ"، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَنْتُمْ أَشْبَهُ الْأُمَمِ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ سَمْتًا وَهَدْيًا تَتَّبِعُونَ عَمَلَهُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ غَيْرَ أَنِّي لَا أَدْرِي أَتَعْبُدُونَ الْعِجْلَ أَمْ لَا؟ " (1) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ} يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ، {نَبَأُ} خَبَرُ، {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} حِينَ عَصَوْا رُسُلَنَا، وَخَالَفُوا أَمْرَنَا كَيْفَ عَذَّبْنَاهُمْ وَأَهْلَكْنَاهُمْ. ثُمَّ ذَكَرَهُمْ، فَقَالَ: {قَوْمِ نُوحٍ} أُهْلِكُوا بِالطُّوفَانِ، {وَعَادٍ} أُهْلِكُوا بِالرِّيحِ {وَثَمُودَ} بِالرَّجْفَةِ، {وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ} بِسَلْبِ النِّعْمَةِ وَهَلَاكِ نَمْرُودَ، {وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ} يَعْنِي قَوْمَ شُعَيْبٍ أُهْلِكُوا بِعَذَابِ يَوْمِ الظُّلَّةِ، {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} الْمُنْقَلِبَاتِ الَّتِي جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَهُمْ قَوْمُ لُوطٍ، {أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} فَكَذَّبُوهُمْ وَعَصَوْهُمْ كَمَا فَعَلْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْكُفَّارِ، فَاحْذَرُوا تَعْجِيلَ النِّقْمَةِ، {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} فِي الدِّينِ وَاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ وَالْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ. {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَالْخَيْرِ، {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} عَنِ الشِّرْكِ
__________
(1) أخرجه البخاري في الاعتصام، باب قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لتتبعن سنن من كان قبلكم.." 13 / 300، ومسلم في العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى، برقم (2669) : 4 / 2054، والمصنف في شرح السنة: 14 / 392.

الصفحة 72