كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ: شَوَاقُّ تَشُقُّ الْمَاءَ بِجَنَاحَيْهَا.
قَالَ مُجَاهِدٌ: تَمْخُرُ السُّفُنَ الرِّيَاحُ.
وَأَصْلُ الْمَخْرِ: الرَّفْعُ وَالشَّقُّ، وَفِي الْحَدِيثِ: "إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمُ الْبَوْلَ فَلْيَسْتَمْخِرِ الرِّيحَ" (1) أَيْ لِيَنْظُرْ مِنْ أَيْنَ مَجْرَاهَا وَهُبُوبُهَا، فَلْيَسْتَدْبِرْهَا حَتَّى لَا يُرَدَّ عَلَيْهِ الْبَوْلُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: صَوَائِخُ، وَالْمَخْرُ: صَوْتُ هُبُوبِ الرِّيحِ عِنْدَ شِدَّتِهَا.
{وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} يَعْنِي: التِّجَارَةَ، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} إِذَا رَأَيْتُمْ صُنْعَ اللَّهِ فِيمَا سَخَّرَ لَكُمْ.
__________
(1) أخرجه ابن حبان في المجروحين: (3 / 108) بلفظ: "إذا أراد أحدكم الخلاء فلا يستدبر الريح" وذكره الزمخشري في الفائق: (3 / 350) عن سراقة بن مالك قال لقومه: إذا أتى أحدكم الغائط فليكرم قبلة الله.. واستمخروا الريح"، وذكره ابن الأثير في النهاية: (4 / 305) بنحوه، وأشار الزيلعي إليه في نصب الراية: (2 / 103) وعزاه للطبري في "تهذيب الآثار"، وروى الدارقطني في السنن: 1 / 57 بلفظ ".. ولا يستقبل الريح" وقال: لم يروه غير مبشر بن عبيد، وهو متروك الحديث. قال ابن الأثير: والمخر في الأصل: الشق، يقال: مخرت السفينة الماء: إذا شقته بصدرها وجرت. واستمخروا الريح أي: اجعلوا ظهوركم إلى الريح عند البول؛ لأنه إذا ولاها ظهره أخذت عن يمينه ويساره، فكأنه قد شقها.
{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) }
{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أَيْ: [لِئَلَّا تَمِيدَ بِكُمْ] (1) أَيْ تَتَحَرَّكَ وَتَمِيلَ.
وَالْمَيْدُ: هُوَ الِاضْطِرَابُ وَالتَّكَفُّؤُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلدَّوَّارِ الَّذِي يَعْتَرِي رَاكِبَ الْبَحْرِ: مَيَدٌ.
قَالَ وَهْبٌ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ جَعَلَتْ تَمُورُ فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: إِنَّ هَذِهِ غَيْرُ مُقِرَّةٍ أَحَدًا عَلَى ظَهْرِهَا فَأَصْبَحَتْ وَقَدْ أُرْسِيَتْ بِالْجِبَالِ فَلَمْ تَدْرِ الْمَلَائِكَةُ مِمَّ خُلِقَتِ الْجِبَالُ.
{وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا} أَيْ: وَجَعَلَ فِيهَا أَنْهَارًا وَطُرُقًا مُخْتَلِفَةً، {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إِلَى مَا تُرِيدُونَ فَلَا تَضِلُّونَ. {وَعَلَامَاتٍ} يَعْنِي: مَعَالِمَ الطُّرُقِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: هَاهُنَا تَمَّ الْكَلَامُ ثُمَّ ابْتَدَأَ، {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَالْكَلْبِيُّ: أَرَادَ بِالْعَلَامَاتِ الْجِبَالَ، فَالْجِبَالُ تَكُونُ عَلَامَاتِ النَّهَارِ، وَالنُّجُومُ عَلَامَاتُ اللَّيْلِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَرَادَ بِالْكُلِّ النُّجُومَ، مِنْهَا مَا يَكُونُ عَلَامَاتٍ وَمِنْهَا مَا يَهْتَدُونَ بِهِ.
قَالَ السُّدِّيُّ: أَرَادَ بِالنَّجْمِ، الثُّرَيَّا، وَبَنَاتِ نَعْشٍ، وَالْفَرْقَدَيْنِ، وَالْجَدْيَ، يُهْتَدَى بِهَا إِلَى الطُّرُقِ وَالْقِبْلَةِ.
__________
(1) زيادة من "ب".

الصفحة 13