كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بعوضة"، وقال اقرؤوا ما شِئْتُمْ: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} (1) .
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: يَأْتِي أُنَاسٌ بِأَعْمَالٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هِيَ عِنْدَهُمْ فِي الْعِظَمِ كَجِبَالِ تِهَامَةَ فَإِذَا وَزَنُوهَا لَمْ تَزِنْ شَيْئًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}
{ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) }
{ذَلِكَ} الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ حُبُوطِ أَعْمَالِهِمْ وَخِسَّةِ أَقْدَارِهِمْ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: {جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي} يَعْنِي الْقُرْآنَ {وَرُسُلِي هُزُوًا} أَيْ سُخْرِيَةً وَمَهْزُوءًا بِهِمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ} رُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ" (2) .
قَالَ كَعْبٌ: لَيْسَ فِي الْجِنَانِ جَنَّةٌ أَعْلَى مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ فِيهَا الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ (3) .
وَقَالَ قَتَادَةُ: "الْفِرْدَوْسُ": رَبْوَةُ الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا وَأَرْفَعُهَا (4) .
قَالَ كَعْبٌ: "الْفِرْدَوْسُ": هُوَ الْبُسْتَانُ الَّذِي فِيهِ الْأَعْنَابُ (5) .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْبُسْتَانُ بِالرُّومِيَّةِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ الْجَنَّةُ بِلِسَانِ الْحَبَشِ (6) .
قَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ بِالرُّومِيَّةِ منقول إلى 224/ألَفْظِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ الْجَنَّةُ الْمُلْتَفَّةُ الْأَشْجَارِ.
وَقِيلَ: هِيَ الرَّوْضَةُ الْمُسْتَحْسَنَةُ.
__________
(1) أخرجه البخاري في التفسير باب "أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه ... ": 8 / 426، ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم باب صفة القيامة والجنة والنار، برقم (2785) : 4 / 2147.
(2) قطعة من حديث أخرجه البخاري في التوحيد، باب "وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم": 13 / 404.
(3) أخرجه الطبري: 16 / 36.
(4) الطبري: 16 / 36، ورواه أيضا مرفوعا عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب: 16 / 38.
(5) المرجع السابق 16 / 36.
(6) انظر: الطبري: 16 / 36، وساق جملة أحاديث تؤيد أن المعنى بالآية: إن الذين صدقوا بالله ورسوله، وأقروا بتوحيد الله وما أنزل من كتبه، وعملوا بطاعته، كانت لهم بساتين الفردوس، والفردوس معظم الجنة. انظر: 16 / 37-38.

الصفحة 211