كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تُنْبِتُ ضُرُوبًا مِنَ النَّبَاتِ، وَجَمْعُهُ فَرَادِيسُ.
{نُزُلًا} قِيلَ أَيْ: مَنْزِلًا. وَقِيلَ: مَا يُهَيَّأُ لِلنَّازِلِ عَلَى مَعْنَى كَانَتْ لَهُمْ ثِمَارُ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ وَنَعِيمُهَا نُزُلًا وَمَعْنَى "كَانَتْ لَهُمْ" أَيْ: فِي عِلْمِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقُوا.
{خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) }
{خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ} لَا يَطْلُبُونَ {عَنْهَا حِوَلًا} أَيْ تَحَوُّلًا إِلَى غَيْرِهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْهَا كَمَا يَنْتَقِلُ الرَّجُلُ مِنْ دَارٍ إِذَا لَمْ تُوَافِقْهُ إِلَى دَارٍ أُخْرَى. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَتِ الْيَهُودُ [يَا مُحَمَّدُ] (1) تَزْعُمُ أَنَّا قَدْ أُوتِينَا الْحِكْمَةَ وَفِي كِتَابِكَ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ثُمَّ تَقُولُ: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (2) .
وَقِيلَ: لَمَّا نَزَلَتْ: "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"، قَالَتِ الْيَهُودُ: أُوتِينَا التَّوْرَاةَ وَفِيهَا عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (3) {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا} سُمِّيَ الْمِدَادُ مِدَادًا لِإِمْدَادِ الْكَاتِبِ وَأَصْلُهُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَمَجِيءُ الشَّيْءِ بَعْدَ الشَّيْءِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِلْقَلَمِ وَالْقَلَمُ يَكْتُبُ {لَنَفِدَ الْبَحْرُ} أَيْ مَاؤُهُ {قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ} قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " يَنْفَدَ " بِالْيَاءِ لِتَقَدُّمِ الْفِعْلِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ {كَلِمَاتُ رَبِّي} أَيْ عِلْمُهُ وَحُكْمُهُ {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} مَعْنَاهُ: لَوْ كَانَ الْخَلَائِقُ يَكْتُبُونَ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُمْ لَنَفِدَ الْبَحْرُ وَلَمْ تَنْفَدْ كَلِمَاتُ رَبِّي (4) وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِ مَاءِ الْبَحْرِ فِي كَثْرَتِهِ مَدَدًا أَوْ زِيَادَةً [و"مَدَدًا" مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ] (5) نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تعالى: "ولو أن ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ" (لُقْمَانَ-27) . قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
__________
(1) ساقط من "ب".
(2) انظر: أسباب النزول للواحدي ص (346) ، تفسير القرطبي: 11 / 68، البحر المحيط: 6 / 168، تفسير الخازن: 4 / 192.
(3) انظر: زاد المسير: 5 / 201.
(4) في "ب": الله.
(5) ساقط من "ب".

الصفحة 212