كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

{وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) }
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ} يَعْنِي: أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ كَانَ مُنْكِرًا لِلْبَعْثِ (1) قَالَ: {أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} قَالَهُ اسْتِهْزَاءً وَتَكْذِيبًا لِلْبَعْثِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {أَوَلَا يَذْكُرُ} أَيْ يَتَذَكَّرُ وَيَتَفَكَّرُ (2) وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ ويعقوب " يذكر " خفيف {الْإِنْسَانُ} يَعْنِي: أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} أَيْ: لَا يَتَفَكَّرُ هَذَا الْجَاحِدُ فِي بَدْءِ خَلْقِهِ فَيَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى الْإِعَادَةِ ثُمَّ أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} لَنَجْمَعَنَّهُمْ فِي الْمَعَادِ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ {وَالشَّيَاطِينَ} مَعَ الشَّيَاطِينِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَحْشُرُ كُلَّ كَافِرٍ مَعَ شَيْطَانِهِ فِي سِلْسِلَةٍ {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ} قِيلَ في جهنم 9/أ {جِثِيًّا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جَمَاعَاتٍ جَمْعُ جَثْوَةٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ: جَمْعُ "جَاثٍ" أَيْ: جَاثِينَ عَلَى الرُّكَبِ.
قَالَ السُّدِّيُّ: قَائِمِينَ عَلَى الرُّكَبِ لِضِيقِ الْمَكَانِ. {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ} لَنُخْرِجَنَّ {مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ} أَيْ: مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ وَأَهْلِ دِينٍ مِنَ الْكُفَّارِ {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} عُتُوًّا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَعْنِي جَرْأَةً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فُجُورًا، يُرِيدُ: الْأَعْتَى فَالْأَعْتَى.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قَائِدُهُمْ وَرَأْسُهُمْ فِي الشَّرِّ يُرِيدُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ فِي إِدْخَالِ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ جُرْمًا وَأَشَدُّ كُفْرًا.
فِي بَعْضِ الْآثَارِ: أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ جَمِيعًا حَوْلَ جَهَنَّمَ مُسَلْسَلِينِ مَغْلُولِينِ ثُمَّ يُقَدَّمُ الْأَكْفَرُ فَالْأَكْفَرُ.
وَرَفَعَ {أَيُّهُمْ} عَلَى مَعْنَى: الَّذِي يُقَالُ لَهُمْ: أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا.
__________
(1) انظر: أسباب النزول للواحدي ص (348) ، والقرطبي: 11 / 131، وقال المهدوي: نزلت في الوليد بن المغيرة وأصحابه وهو قول ابن عباس وعن ابن جريج أنها نزلت في العاص بن وائل. انظر: الدر المنثور: 5 / 532، القرطبي: 11 / 131.
(2) هذا تفسير لقراءة "يذكر" بالتشديد بدليل ما بعده وكأن المصنف رحمه الله يرجح أو يقدم هذه القراءة ثم فسر الآية على القراءة بالتخفيف فيما بعد.

الصفحة 245