كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)
{وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} [السَّلْكُ: إِدْخَالُ الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ، وَالْمَعْنَى: أَدْخَلَ فِي الْأَرْضِ لِأَجْلِكُمْ طُرُقًا تَسْلُكُونَهَا] (1) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَهَّلَ لَكُمْ فِيهَا طُرُقًا تَسْلُكُونَهَا.
{وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} يَعْنِي: الْمَطَرَ.
تَمَّ الْإِخْبَارُ عَنْ مُوسَى، ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} بِذَلِكَ الْمَاءِ {أَزْوَاجًا} أَصْنَافًا، {مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى} مُخْتَلِفِ الْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالْمَنَافِعِ مِنْ بَيْنِ أَبْيَضَ وَأَحْمَرَ وَأَخْضَرَ وَأَصْفَرَ، فَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا زَوْجٌ، فَمِنْهَا لِلنَّاسِ وَمِنْهَا لِلدَّوَابِّ.
{كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) }
{كُلُوا وَارْعَوْا} [أَيْ وَارْتَعُوا] (2) {أَنْعَامَكُمْ} تَقُولُ الْعَرَبُ: رَعَيْتُ الْغَنَمَ فَرَعَتْ، أَيْ: أَسِيمُوا أَنْعَامَكُمْ تَرْعَى.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} الَّذِي ذَكَرْتُ، {لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} لِذَوِي الْعُقُولِ، وَاحِدَتُهَا: "نُهْيَةٌ سُمِّيَتْ نُهْيَةً لِأَنَّهَا تَنْهَى صَاحِبَهَا عَنِ الْقَبَائِحِ وَالْمَعَاصِي.
قَالَ الضَّحَّاكُ: {لِأُولِي النُّهَى} الَّذِينَ يَنْتَهُونَ عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ قَتَادَةُ: لِذَوِي الْوَرَعِ. {مِنْهَا} أَيْ مِنَ الْأَرْضِ، {خَلَقْنَاكُمْ} يَعْنِي أَبَاكُمْ آدم.
وقال 12/ب عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ (3) إِنَّ الْمَلَكَ يَنْطَلِقُ فَيَأْخُذُ مِنْ تُرَابِ الْمَكَانِ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ فَيَذَرُهُ عَلَى النُّطْفَةِ فَيَخْلُقُ اللَّهُ مِنَ التُّرَابِ وَمِنَ النُّطْفَةِ (4) فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} أَيْ:
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(2) ساقط من "أ".
(3) أخرجه عبد بن حميد، وابن المنذر. انظر: الدر المنثور: 5 / 584. قال الشيخ الشنقيطي في "أضواء البيان": (5 / 524) وهذا القول خلاف التحقيق، لأن القرآن يدل على أن مرحلة النطفة بعد مرحلة التراب بمهلة؛ فهي غير مقارنة لها، بدليل الترتيب بينهما بـ "ثم" في قوله تعالى: "يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة".
(4) قال الطبري: (16 / 175) : من الأرض خلقناكم أيها الناس، فأنشأناكم أجساما ناطقة، وفي الأرض نعيدكم بعد مماتكم فنصيركم ترابا، كما كنتم قبل إنشائنا لكم، بشرا سويا.
الصفحة 278