كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

وَسَمِعَ الصِّيَاحَ وَالْجَلَبَةَ وَكَانُوا يَرْقُصُونَ حَوْلَ الْعِجْلِ، قَالَ لِلسَّبْعِينَ الَّذِينَ مَعَهُ: هَذَا صَوْتُ الْفِتْنَةِ، فَلَمَّا رَأَى هَارُونَ أَخَذَ شَعْرَ رَأْسِهِ بِيَمِينِهِ وَلِحْيَتِهِ بشماله.
{قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) }
{قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا} أَشْرَكُوا. {أَلَّا تَتَّبِعَنِي} أَيْ: أَنْ تَتَّبِعَنِي وَ" لَا " صِلَةٌ أَيْ تَتَّبِعَ أَمْرِي وَوَصِيَّتِي، يَعْنِي: هَلَّا قَاتَلْتَهُمْ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنِّي لَوْ كُنْتُ فِيهِمْ لِقَاتَلْتُهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ.
وَقِيلَ: "أَنْ لَا تَتَّبِعَنِي" أَيْ: مَا مَنَعَكَ مِنَ اللُّحُوقِ بِي وَإِخْبَارِي بِضَلَالَتِهِمْ، فَتَكُونَ مُفَارَقَتُكَ إِيَّاهُمْ زَجْرًا لَهُمْ عَمَّا أَتَوْهُ، {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} أَيْ خَالَفْتَ أمري. {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي} أَيْ بِشَعْرِ رَأْسِي وَكَانَ قَدْ أَخَذَ ذَوَائِبَهُ، {إِنِّي خَشِيتُ} لَوْ أَنْكَرْتُ عَلَيْهِمْ لَصَارُوا حِزْبَيْنِ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، {أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أَيْ خَشِيتُ إِنْ فَارَقْتُهُمْ وَاتَّبَعْتُكَ صَارُوا أَحْزَابًا يَتَقَاتَلُونَ، فَتَقُولُ أَنْتَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (1) {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} وَلَمْ تَحْفَظْ وَصِيَّتِي حِينَ قُلْتُ لَكَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي، وَأَصْلِحْ أَيِ ارْفُقْ بِهِمْ (2) ثُمَّ أَقْبَلَ مُوسَى عَلَى السَّامِرِيِّ {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ} مَا أَمْرُكَ وَشَأْنُكَ؟ وَمَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى ما صنعت؟ {يَا سَامِرِيُّ} {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} رَأَيْتُ مَا لَمْ يَرَوْا وَعَرَفْتُ مَا لَمْ يَعْرِفُوا.
__________
(1) ذكر الطبري في التفسير: (16 / 204) أقوالا أخر زيادة على ما ذكر المصنف ورجح ما نسبه إلى ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن موسى عذل أخاه هارون على تركه اتباع أمره بمن اتبعه من أهل الإيمان، فقال له هارون: إني خشيت أن تقول: فرقت بين جماعتهم، فتركت بعضهم ورائي، وجئت ببعضهم. وانظر زاد المسير: 5 / 316.
(2) انظر: الطبري: 16 / 204، الدر المنثور: 6 / 596.

الصفحة 291