كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) }
{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) }
{وَكَذَلِكَ} أَيْ كَمَا بَيَّنَّا فِي هَذِهِ السُّورَةِ، {أَنْزَلْنَاهُ} يَعْنِي أَنْزَلْنَا هَذَا الْكِتَابَ، {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} يَعْنِي: بِلِسَانِ الْعَرَبِ، {وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ} أَيْ صَرَّفْنَا الْقَوْلَ فِيهِ بِذِكْرِ الْوَعِيدِ، {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أَيْ يَجْتَنِبُونَ الشِّرْكَ، {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} أَيْ يُجَدِّدُ لَهُمُ الْقُرْآنُ عِبْرَةً وَعِظَةً فَيَعْتَبِرُوا وَيَتَّعِظُوا بِذِكْرِ عِقَابِ اللَّهِ لِلْأُمَمِ الْخَالِيَةِ. {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} جَلَّ اللَّهُ عَنْ إِلْحَادِ الْمُلْحِدِينَ وَعَمَّا يَقُولُهُ الْمُشْرِكُونَ، {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ} أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِالْقُرْآنِ يُبَادِرُ فَيَقْرَأُ مَعَهُ، قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ جِبْرِيلُ مِمَّا يُرِيدُ مِنَ التِّلَاوَةِ، وَمَخَافَةَ الِانْفِلَاتِ وَالنِّسْيَانِ، فَنَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ (1) وَقَالَ: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ} أَيْ لَا تَعْجَلْ بِقِرَاءَتِهِ {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَفْرَغَ جِبْرِيلُ مِنَ الْإِبْلَاغِ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: "لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ" (سُورَةُ الْقِيَامَةِ: 16) وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: " نَقْضِي " بِالنُّونِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِ الضَّادِ، وَفَتْحِ الْيَاءِ: " وَحْيَهُ " بِالنَّصْبِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: مَعْنَاهُ لَا تُقْرِئْهُ أَصْحَابَكَ، وَلَا تُمْلِهِ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ مَعَانِيهِ (2) .
{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} يَعْنِي بِالْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ. وَقِيلَ: عِلْمًا إِلَى مَا عَلِمْتُ.
وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا وَإِيمَانًا وَيَقِينًا (3) . قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ} يَعْنِي: أَمَرْنَاهُ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنَ الشَّجَرَةِ مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَكَ وَتَرَكُوا الْإِيمَانَ بِي، وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ"، {فَنَسِيَ} فَتَرْكَ الْأَمْرَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ نَقَضُوا الْعَهْدَ، فَإِنَّ آدَمَ أَيْضًا عَهِدْنَا إِلَيْهِ فَنَسِيَ، {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} قَالَ الْحَسَنُ لَمْ نَجِدْ لَهُ صَبْرًا عَمَّا نُهِيَ عَنْهُ. وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: حِفْظًا
__________
(1) انظر: الدر المنثور 5 / 602، وقاله صاحب أضواء البيان 4 / 519.
(2) انظر: زاد المسير 5 / 326.
(3) عزاه السيوطي في الدر المنثور لسعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن مسعود 5 / 605.

الصفحة 297