كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

ضَيِّقًا، رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ عَذَابُ الْقَبْرِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: يُضْغَطُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ (1) .
وَفِي بَعْضِ الْمَسَانِيدِ مَرْفُوعًا. "يَلْتَئِمُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ فَلَا يَزَالُ يُعَذَّبُ حَتَّى يُبْعَثَ" (2) .
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الزَّقُّومُ وَالضَّرِيعُ وَالْغِسْلِينُ فِي النَّارِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ الْحَرَامُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ الْكَسْبُ الْخَبِيثُ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الشَّقَاءُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَالٍ أُعْطِيَ الْعَبْدُ قَلَّ أَمْ كَثُرَ فَلَمْ يَتَّقِ فِيهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَهُوَ الضَّنْكُ فِي الْمَعِيشَةِ، وَإِنَّ أَقْوَامًا أَعْرَضُوا عَنِ الْحَقِّ وَكَانُوا أُولِي سَعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا مُكْثِرِينَ، فَكَانَتْ مَعِيشَتُهُمْ ضَنْكًا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِمُخْلِفٍ عَلَيْهِمْ فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ مَعَايِشُهُمْ مِنْ سُوءِ ظَنِّهِمْ بِاللَّهِ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَسْلُبُهُ الْقَنَاعَةَ حَتَّى لَا يَشْبَعَ (3) .
{وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَعْمَى الْبَصَرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَعْمَى عَنِ الْحُجَّةِ.
{قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) }
__________
(1) أخرجه الطبري: 16 / 227 - 228، وانظر الدر المنثور 5 / 607 - 609.
(2) قطعة من حديث أبي هريرة المطول في سؤال الميت في قبره، أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 3 / 383، والطبري: 13 / 215، 16 / 227 - 228، وصححه ابن حبان ص (197 - 198) من موارد الظمآن، والحاكم في المستدرك: 1 / 379، وهناد في الزهد: 1 / 420 - 422، 442 ورواه مختصرا: الإمام أحمد في المسند: 2 / 364. وله متابعات وشواهد، انظرها في التعليق على الزهد لهناد: 1 / 421 - 423.
(3) انظر في هذه الأقوال ونسبتها: الطبري: 16 / 225 - 228، الدر المنثور: 5 / 607 - 609، زاد المسير: 5 / 330 - 332.
{قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) }
{قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} بِالْعَيْنِ أَوْ بَصِيرًا بِالْحُجَّةِ. {قَالَ كَذَلِكَ} أَيْ كَمَا {أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} فَتَرَكْتَهَا وَأَعْرَضَتْ عَنْهَا، {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} تُتْرَكُ فِي النَّارِ. قَالَ قَتَادَةُ: نُسُوا مِنَ الْخَيْرِ وَلَمْ يُنْسَوْا مِنَ الْعَذَابِ. {وَكَذَلِكَ} أَيْ وَكَمَا جَزَيْنَا مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ {نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ} أَشَرَكَ،

الصفحة 301