كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) }
{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} بَسَطَ عَنْ وَاحِدٍ، وَضَيَّقَ عَلَى الْآخَرِ، وَقَلَّلَ وَكَثَّرَ.
{فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} مِنَ الْعَبِيدِ، {فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} أَيْ: حَتَّى يَسْتَوُوا هُمْ وَعَبِيدُهُمْ فِي ذَلِكَ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَرْضَوْنَ أَنْ يَكُونُوا هُمْ وَمَمَالِيكُهُمْ فِيمَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ سَوَاءً، وَقَدْ جَعَلُوا عَبِيدِي شُرَكَائِي فِي مُلْكِي وَسُلْطَانِي. يُلْزِمُ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ.
قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَهَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يَشْرِكُهُ مَمْلُوكُهُ فِي زَوْجَتِهِ وَفِرَاشِهِ وَمَالِهِ؟ أَفَتَعْدِلُونَ بِاللَّهِ خَلْقَهُ وَعِبَادَهُ؟؟
{أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} بِالْإِشْرَاكِ بِهِ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ بِالتَّاءِ لِقَوْلِهِ "وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ"، وَالْآخَرُونَ بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِ: "فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ". قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} يَعْنِي: النِّسَاءَ، خَلَقَ مِنْ آدَمَ زَوْجَتَهُ حَوَّاءَ. وَقِيلَ: "مِنْ أَنْفُسِكُمْ" أَيْ: مِنْ جِنْسِكُمْ أَزْوَاجًا.
{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَالنَّخَعِيُّ: الْحَفَدَةُ أَخْتَانُ الرَّجُلِ عَلَى بَنَاتِهِ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا: أَنَّهُمُ الْأَصْهَارُ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، تُزَوِّجُونَهُمْ فَيَحْصُلُ بِسَبَبِهِمُ الْأَخْتَانُ وَالْأَصْهَارُ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَالضَّحَاكُ: هُمُ الْخَدَمُ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ الْأَعْوَانُ، مَنْ أَعَانَكَ فَقَدْ حَفَدَكَ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: هُمْ وَلَدُ وَلَدِ الرَّجُلِ، الَّذِينَ يُعِينُونَهُ وَيَخْدُمُونَهُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مَهِنَةٌ يَمْتَهِنُونَكُمْ وَيَخْدُمُونَكُمْ مِنْ أَوْلَادِكُمْ (1) .
قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: "الْبَنِينَ": الصِّغَارُ، وَ"الْحَفَدَةُ": كِبَارُ الْأَوْلَادِ الَّذِينَ يُعِينُونَهُ عَلَى عَمَلِهِ.
وَرَوَى مُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ وَلَدُ الْوَلَدِ.
__________
(1) في "ب": الأولاد.

الصفحة 31