كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)
{ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) }
{ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: أَجْرَى اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِهِمْ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ أَدْرَكَتْهُمُ الشَّقَاوَةُ، فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} أَيْ رُدُّوا إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالظُّلْمِ، يُقَالُ نُكِسَ الْمَرِيضُ إِذَا رَجَعَ إِلَى حَالِهِ الْأَوَّلِ، وَقَالُوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} فَكَيْفَ نَسْأَلُهُمْ؟ فَلَمَّا اتَّجَهَتِ الْحُجَّةُ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. {قَالَ} لَهُمْ، {أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا} إِنْ عَبَدْتُمُوهُ، {وَلَا يَضُرُّكُمْ} إِنْ تَرَكْتُمْ عِبَادَتَهُ. {أُفٍّ لَكُمْ} أَيْ تَبًّا وَقَذَرًا لَكُمْ، {وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أَيْ أَلَيْسَ لَكُمْ عَقْلٌ تَعْرِفُونَ هَذَا، فَلَمَّا لَزِمَتْهُمُ الْحُجَّةُ وَعَجَزُوا عَنِ الْجَوَابِ. {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} 17/ب أَيْ: إِنْ كُنْتُمْ نَاصِرِينَ لَهَا.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ الَّذِي قَالَ هَذَا رَجُلٌ مِنَ الْأَكْرَادِ (1) . وَقِيلَ: اسْمُهُ "هيزن" فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (2) .
وَقِيلَ: قَالَهُ نَمْرُودُ، فَلَمَّا أَجْمَعَ نَمْرُودُ وَقَوْمُهُ عَلَى إِحْرَاقِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَبَسُوهُ فِي بَيْتٍ، وَبَنَوْا لَهُ بُنْيَانًا كالحظيرة (3) .
وقيل: بنو أَتُونًا بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا "كُوثَى" (4) ثُمَّ جَمَعُوا لَهُ صِلَابَ الْحَطَبِ مِنْ أَصْنَافِ الْخَشَبِ مُدَّةً حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ يَمْرَضُ فَيَقُولُ لَئِنْ عَافَانِي اللَّهُ لَأَجْمَعَنَّ حَطَبًا لِإِبْرَاهِيمَ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَنْذِرُ فِي بَعْضِ مَا تَطْلُبُ لَئِنْ أَصَابَتْهُ لَتَحْطِبَنَّ فِي نَارِ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ الرَّجُلُ يُوصِي بِشِرَاءِ الْحَطَبِ وَإِلْقَائِهِ فِيهِ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَغْزِلُ وَتَشْتَرِي الْحَطَبَ بِغَزْلِهَا، فَتُلْقِيهِ فِيهِ احْتِسَابًا (5) فِي دِينِهَا.
__________
(1) أخرجه الطبري: 17 / 43، وانظر: الدر المنثور: 5 / 639.
(2) أخرجه الطبري: 17 / 43، وانظر تفسير ابن كثير: 3 / 185.
(3) أخرجه الطبري: 17 / 43، وانظر: البحر المحيط: 6 / 328.
(4) بضم أوله، وبالثاء المثلثة، وهي بالعراق، ولد فيها إبراهيم عليه السلام.
(5) انظر الطبري: 17 / 44، الدر المنثور: 5 / 641.
الصفحة 326