كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

وَقِيلَ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (1) .
وَقِيلَ: كِلَا الْمِثْلَيْنِ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، يَرْوِيهِ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: الْأَبْكَمُ: أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ: حَمْزَةُ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعُثْمَانُ بن مظعون 201/ب
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي هَاشِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ رَبِيعَةَ الْقُرَشِيِّ، وَكَانَ قَلِيلَ الْخَيْرِ يُعَادِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَمَوْلَاهُ، كَانَ عُثْمَانُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَكَانَ مَوْلَاهُ يَكْرَهُ الْإِسْلَامَ (2) .
{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) }
{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ} فِي قُرْبِ كَوْنِهَا، {إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ} إِذَا قَالَ لَهُ: "كُنْ" فَيَكُونُ، {أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} بَلْ هُوَ أَقْرَبُ، {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَسْتَعْجِلُونَ الْقِيَامَةَ اسْتِهْزَاءً. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} قَرَأَ الْكِسَائِيُّ "بُطُونِ إِمَّهَاتِكُمْ" بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْهَمْزَةِ، الباقون بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، {لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} تَمَّ الْكَلَامُ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَهُمْ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُمُ الْعِلْمَ بَعْدَ الْخُرُوجِ، {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} نِعْمَةَ اللَّهِ.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(2) انظر هذه الأقوال في: تفسير الطبري: 14 / 150-151، الدر المنثور: 5 / 151-152، زاد المسير: 4 / 473، البحر المحيط: 5 / 519-520، أسباب النزول للواحدي ص (323) . قال الطبري-رحمه الله-: "وهذا مثل ضربه الله تعالى لنقسه والآلهة التي تعبد من دونه، فقال تعالى ذكره: "وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء" يعني بذلك الصنم أنه لا يسمع شيئا، ولا ينطق، لأنه إما خشب منحوت، وإما نحاس مصنوع لا يقدر على نفع لمن خدمه، ولا دفع ضر عنه، "وهو كل على مولاه"، يقول: وهو عيال على ابن عمه وحلفائه وأهل ولايته، فكذلك الصنم كل على من يعبده، يحتاج أن يحمله، ويضعه ويخدمه كالأبكم من الناس الذي لا يقدر على شيء فهو كل على بني أعمامه.. هل يستوي هذا الأبكم الكل على مولاه الذي لا يأتي بخير حيث توجه ومن هو ناطق متكلم يأمر بالحق، ويدعو إليه، وهو الله الواحد القهار، الذي يدعو عباده إلى توحيده وطاعته، يقول: لا يستوي هو -تعالى ذكره- والصنم الذي صفته ما وصف. وقوله: "وهو على صراط مستقيم" يقول: لا على طريق من الحق في دعائه إلى العدل، وأمره به مستقيم، لا يعوج عن الحق ولا يزول عنه". انظر: تفسير الطبري: 14 / 150.

الصفحة 34