كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

{أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) }
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) }
{أَلَمْ يَرَوْا} قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ، وَيَعْقُوبُ: بِالتَّاءِ، وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِ: "وَيَعْبُدُونَ" (1) . {إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ} مُذَلَّلَاتٍ، {فِي جَوِّ السَّمَاءِ} وَهُوَ الْهَوَاءُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّ الطَّيْرَ تَرْتَفِعُ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا وَلَا يَرْتَفِعُ فَوْقَ هَذَا، وَفَوْقَ الْجَوِّ السُّكَاكُ، وَفَوْقَ السُّكَاكِ السَّمَاءُ {مَا يُمْسِكُهُنَّ} فِي الْهَوَاءِ {إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ} [الَّتِي هِيَ مِنَ الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ] (2) {سَكَنًا} أَيْ: مَسْكَنًا تَسْكُنُونَهُ، {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا} يَعْنِي الْخِيَامَ، وَالْقِبَابَ، وَالْأَخْبِيَةَ، وَالْفَسَاطِيطَ مِنَ الْأَنْطَاعِ وَالْأُدُمَ (3) {تَسْتَخِفُّونَهَا} أَيْ: يَخِفُّ عَلَيْكُمْ حَمْلُهَا، {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} رِحْلَتِكُمْ فِي سَفَرِكُمْ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ، سَاكِنَةَ الْعَيْنِ، وَالْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا، وَهُوَ أَجْزَلُ اللُّغَتَيْنِ، {وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} فِي بَلَدِكُمْ لَا تَثْقُلُ عَلَيْكُمْ فِي الْحَالَيْنِ.
{وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} يَعْنِي: أَصْوَافَ الضَّأْنِ، وَأَوْبَارَ الْإِبِلِ، وَأَشْعَارَ الْمَعِزِ، وَالْكِنَايَاتُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْأَنْعَامِ، {أَثَاثًا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَالًا. قَالَ مُجَاهِدٌ: مَتَاعًا.
قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: "الْأَثَاثُ": الْمَالُ أَجْمَعُ، مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْعَبِيدِ، وَالْمَتَاعِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مَتَاعُ الْبَيْتِ مِنَ الْفَرْشِ وَالْأَكْسِيَةِ.
{وَمَتَاعًا} بَلَاغًا يَنْتَفِعُونَ بِهَا، {إِلَى حِينٍ} يَعْنِي الْمَوْتَ. وَقِيلَ: إِلَى حِينِ تَبْلَى. {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا} تَسْتَظِلُّونَ بِهَا مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَهِيَ ظِلَالُ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ،
__________
(1) في الآية الثانية والسبعين من السورة: "ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا ... " الآية.
(2) ساقط من "ب".
(3) في هامش "أ": فائدة: لو قال: من الجلود، كان أحسن من قوله من الأنطاع والأدم.

الصفحة 35