كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

إليهم فالمؤمنون 25/أخَصْمٌ وَسَائِرُ الْخَمْسَةِ خَصْمٌ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُمَا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ اخْتَصَمَتَا كَمَا أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ حُسَيْنٍ الْقَطَّانُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَغِرَّتُهُمْ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْجَنَّةِ: إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ فِيهَا رِجْلَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيَزْوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا" (1) . ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا لِلْخَصْمَيْنِ فَقَالَ:
{فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ثِيَابٌ مِنْ نُحَاسٍ مُذَابٍ، وَلَيْسَ مِنَ الْآنِيَةِ شَيْءٌ إِذَا حَمِيَ أَشَدَّ حَرًّا مِنْهُ وَسُمِّيَ بِاسْمِ الثِّيَابِ لِأَنَّهَا تُحِيطُ بِهِمْ كَإِحَاطَةِ الثِّيَابِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَلْبَسُ أَهْلُ النَّارِ مُقَطَّعَاتٍ مِنَ النَّارِ، {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} الْحَمِيمُ: هُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ الَّذِي انْتَهَتْ حَرَارَتُهُ.
{يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) }
{يُصْهَرُ بِهِ} أَيْ: يُذَابُ بِالْحَمِيمِ، {مَا فِي بُطُونِهِمْ} يُقَالُ: صَهَرْتُ الْأَلْيَةَ وَالشَّحْمَ بِالنَّارِ إِذَا أَذَبْتَهُمَا أَصْهَرُهَا صَهْرًا، مَعْنَاهُ يُذَابُ بِالْحَمِيمِ الَّذِي يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ حَتَّى يَسْقُطَ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنَ الشُّحُومِ وَالْأَحْشَاءِ، {وَالْجُلُودِ} أَيْ: يَشْوِي حرها جلودهم فتتساط.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي جُحَيْرَةَ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ فَيَنْفُذُ الْجُمْجُمَةَ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ فَيَسْلُتَ مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ الصَّهْرُ، ثُمَّ يُعَادُ كَمَا كَانَ" (2) .
__________
(1) أخرجه البخاري في التفسير، باب (وتقول هل من مزيد) 8 / 595، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها، باب: النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء برقم (2846) 4 / 2186، والمصنف في شرح السنة: 15 / 256 - 257.
(2) أخرجه الترمذي في صفة أهل جهنم، باب ما جاء في صفة شراب أهل النار 7 / 302 - 303 وقال: هذا حديث غريب صحيح، والإمام أحمد: 2 / 374، والحاكم في المستدرك: 2 / 387، والطبري: 17 / 133 - 134، والمصنف في شرح السنة: 15 / 244، وقد ضعف الألباني إسناده في تعليقه على المشكاة: 3 / 1581.

الصفحة 374