كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

وَقِيلَ: إِنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ حَرِّ النَّارِ إِلَى بَرْدِ الزَّمْهَرِيرِ، فَيُبَادِرُونَ مِنْ شِدَّةِ الزَّمْهَرِيرِ إِلَى النَّارِ مُسْتَغِيثِينَ بِهَا.
وَقِيلَ: يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ (1) . {بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} فِي الدُّنْيَا بِالْكُفْرِ وَصَدِّ النَّاسِ عَنِ الْإِيمَانِ.
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) }
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} يَعْنِي نَبِيُّهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانَتْ تُبْعَثُ إِلَى الْأُمَمِ مِنْهَا.
{وَجِئْنَا بِكَ} يَا مُحَمَّدُ، {شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ} الَّذِينَ بُعِثْتَ إِلَيْهِمْ.
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا} بَيَانًا، {لِكُلِّ شَيْءٍ} يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ، {وَهُدًى} مِنَ الضَّلَالَةِ، {وَرَحْمَةً وَبُشْرَى} بِشَارَةً {لِلْمُسْلِمِينَ} قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} بِالْإِنْصَافِ، {وَالْإِحْسَانِ} إِلَى النَّاسِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "الْعَدْلُ": التَّوْحِيدُ، وَ"الْإِحْسَانُ": أَدَاءُ الْفَرَائِضِ.
وَعَنْهُ: "الْإِحْسَانُ": الْإِخْلَاصُ فِي التَّوْحِيدِ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ" (2) .
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: "الْعَدْلُ": التَّوْحِيدُ، وَ"الْإِحْسَانُ": الْعَفْوُ عَنِ النَّاسِ.
{وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} صِلَةُ الرَّحِمِ.
{وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ} 202/أمَا قَبُحَ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الزِّنَا، {وَالْمُنْكَرِ} مَا لَا يُعْرَفُ فِي شَرِيعَةٍ وَلَا سُنَّةٍ، {وَالْبَغْيِ} الْكِبْرُ وَالظُّلْمُ.
__________
(1) انظر هذه الأقوال في: الدر المنثور: 5 / 157-158، زاد المسير: 4 / 482. وقد اعتمد الطبري: (14 / 160-161) القول الأول. وانظر: تفسير ابن كثير: 2 / 582.
(2) قطعة من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سؤال جبريل عليه السلام -عن الإسلام والإيمان، والإحسان، أخرجه البخاري في الإيمان، باب سؤال جبريل النبي عن الإيمان والإسلام والإحسان: 1 / 114، ومسلم في الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، برقم (8) : 1 / 36-37، والمصنف في شرح السنة: 1 / 8-9.

الصفحة 38