كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) }
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) }
{قُلْ نَزَّلَهُ} يَعْنِي الْقُرْآنَ، {رُوحُ الْقُدُسِ} جِبْرِيلُ، {مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} بِالصِّدْقِ، {لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا} أَيْ: لِيُثَبِّتَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا وَيَقِينًا، {وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} آدَمِيٌّ، وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْبَشَرِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ قَيْنًا بِمَكَّةَ، اسْمُهُ "بَلْعَامُ"، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، أَعْجَمِيَّ اللِّسَانِ، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَرَوْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ وَيَخْرُجُ، فَكَانُوا يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ "بَلْعَامُ" (1) .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْرِئُ غُلَامًا لِبَنِي الْمُغِيرَةِ يُقَالُ لَهُ "يَعِيشُ" (2) وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ "يَعِيشُ" (3) .
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّمَا يَتَعَلَّمُ مِنْ عَايَشَ مَمْلُوكٍ كَانَ لِحُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَ أَعْجَمَ اللِّسَانِ (4) .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنِي كَثِيرًا مَا يَجْلِسُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ إِلَى غُلَامٍ رُومِيٍّ نَصْرَانِيٍّ، عَبْدٍ لِبَعْضِ بَنِي الْحَضْرَمِيِّ، يُقَالُ لَهُ "جَبْرٌ"، وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ (5) .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ الْحَضْرَمِيُّ كَانَ لَنَا عَبْدَانِ مِنْ أَهْلِ عَيْنِ التَّمْرِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا يَسَارٌ، وَيُكَنَّى "أَبَا فَكِيهَةَ"، وَيُقَالُ لِلْآخَرِ "جَبْرٌ" وَكَانَا يَصْنَعَانِ السُّيُوفَ بِمَكَّةَ، وَكَانَا يَقْرَآنِ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، فَرُبَّمَا مَرَّ بِهِمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمَا يَقْرَآنِ، فَيَقِفُ وَيَسْتَمِعُ.
قَالَ الضَّحَاكُ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا آذَاهُ الْكَفَّارُ يَقْعُدُ إِلَيْهِمَا وَيَسْتَرْوِحُ بِكَلَامِهِمَا، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّمَا يَتَعَلَّمُ مُحَمَّدٌ مِنْهُمَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (6) .
__________
(1) أخرجه ابن جرير: 14 / 177، وزاد السيوطي نسبته لابن أبي حاتم وابن مردويه بسند ضعيف. الدر المنثور: 5 / 167، زاد المسير: 4 / 492.
(2) في الدر المنثور: "مقيس" ولعله تصحيف.
(3) أخرجه ابن جرير عن عكرمة: 14 / 178، وانظر: زاد المسير: 4 / 492.
(4) وقاله أيضا الزجاج، انظر: زاد المسير: 4 / 492.
(5) أخرجه الطبري: 14 / 178.
(6) أخرجه الطبري: 14 / 178، والواحدي في أسباب النزول ص (326) ، وانظر: زاد المسير: 4 / 493.

الصفحة 44