كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى تَكْذِيبًا لَهُمْ: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ} أَيْ يَمِيلُونَ وَيُشِيرُونَ إِلَيْهِ، {أَعْجَمِيٌّ} "الْأَعْجَمِيُّ" الَّذِي لَا يُفْصِحُ وَإِنْ كَانَ يَنْزِلُ بِالْبَادِيَةِ، وَالْعَجَمِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى الْعَجَمِ، وَإِنْ كَانَ فَصِيحًا، وَالْأَعْرَابِيُّ الْبَدَوِيُّ، وَالْعَرَبِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى الْعَرَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَصِيحًا، {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} فَصِيحٌ وَأَرَادَ بِاللِّسَانِ الْقُرْآنَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: اللُّغَةُ لِسَانٌ، وَرُوِيَ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي كَانُوا يُشِيرُونَ إِلَيْهِ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ.
{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) }
{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ} لَا يُرْشِدُهُمُ اللَّهُ، {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْكُفَّارَ هُمُ الْمُفْتَرُونَ. فَقَالَ: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} لَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ: "إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ"، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ "وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ"؟ قِيلَ: "إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ": إِخْبَارٌ عَنْ فِعْلِهِمْ، "وهم الْكَاذِبُونَ" نَعْتٌ لَازِمٌ لَهُمْ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِغَيْرِهِ: كَذَبْتَ وَأَنْتَ كَاذِبٌ، أَيْ: كَذَبْتَ فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَمِنْ عَادَتِكَ الْكَذِبُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْجَوْهَرِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الْأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ الْأَشْدَقِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمُؤْمِنُ يَزْنِي؟ قَالَ: قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ، قَالَ قُلْتُ: الْمُؤْمِنُ يَسْرِقُ؟ قَالَ: قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ، قُلْتُ الْمُؤْمِنُ يَكْذِبُ؟ قَالَ: لَا". قَالَ اللَّهُ: "إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ" (1) . {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ}
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَمَّارٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَخَذُوهُ، وَأَبَاهُ يَاسِرًا، وَأُمَّهُ سُمَيَّةَ، وَصُهَيْبًا، وَبِلَالًا وَخَبَّابًا، وَسَالِمًا، فَعَذَّبُوهُمْ، فَأَمَّا سُمَيَّةُ: فَإِنَّهَا رُبِطَتْ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ وَوُجِئَ قُبُلُهَا
__________
(1) أخرجه الخرائطي في مساوئ الأخلاق ص 69 بتحقيق أبو النصر شلبي، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: 5 / 168 لابن عساكر في تاريخه. وفيه يعلى بن الأشدق العقيلي؛ قال أبو حاتم: ليس بشيء، ضعيف الحديث، وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه بحال، ولا الاحتجاج به. انظر الجرح والتعديل: 9 / 303، المجروحين لابن حبان: 3 / 142.

الصفحة 45