كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) }
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} لَا يُرْشِدُهُمْ. {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} عَمَّا يُرَادُ بِهِمْ. {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} أَيِ الْمَغْبُونُونَ. {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} عُذِّبُوا وَمُنِعُوا مِنَ الْإِسْلَامِ، فَتَنَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، {ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا} عَلَى الْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا} مِنْ بَعْدِ تِلْكَ الْفِتْنَةِ وَالْغَفْلَةِ {لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}
نَزَلَتْ فِي عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، أَخِي أَبِي جَهْلٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَفِي أَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَالْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَسَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَيْدٍ الثَّقَفِيِّ، فَتَنَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأَعْطَوْهُمْ بَعْضَ مَا أَرَادُوا لِيَسْلَمُوا مِنْ شَرِّهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ هَاجَرُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَجَاهَدُوا (1) .
وَقَالَ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ، فَلَحِقَ بِالْكَفَّارِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَاسْتَجَارَهُ لَهُ عُثْمَانُ، وَكَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَأَجَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (2) .
__________
(1) انظر: تفسير الخازن: 4 / 97. وهناك أقوال أخرى تجمع على عياش بن ربيعة بين من نزلت الآية فيهم، وذكر بعضهم عمارا رضي الله عنه، ورده ابن عطية. وانظر: الطبري: 14 / 184، الدر المنثور: 5 / 172-173، المحرر الوجيز: 8 / 524-525، زاد المسير: 4 / 497-498، أسباب النزول ص (237) ، روح المعاني للآلوسي: 14 / 240، البحر المحيط: 5 / 540.
(2) أخرجه الطبري عنهما: 14 / 184-185، وأخرج ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس مثله. الدر المنثور: 5 / 172. وانظر: البحر المحيط: 5 / 541، زاد المسير: 4 / 498.

الصفحة 47