كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي وَقَضَيْنَا عَلَيْهِمْ، وَ"إِلَى" بِمَعْنَى "عَلَى"، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ: اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ.
{لَتُفْسِدُنَّ} لَامُ الْقَسَمِ مَجَازُهُ: وَاللَّهِ لَتُفْسِدُنَّ، {فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} بِالْمَعَاصِي وَالْمُرَادُ بِالْأَرْضِ: أَرْضُ الشَّامِ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ، {وَلَتَعْلُنَّ} وَلَتَسْتَكْبِرُنَّ وَلَتَظْلِمُنَّ النَّاسَ {عُلُوًّا كَبِيرًا}
{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) }
{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا} يَعْنِي: أُولَى الْمَرَّتَيْنِ.
قَالَ قَتَادَةُ: إِفْسَادُهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى مَا خَالَفُوا مِنْ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ، وَرَكِبُوا الْمَحَارِمَ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: إِفْسَادُهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى قَتْلُ شِعْيَاءَ بَيْنَ الشَّجَرَةِ وَارْتِكَابُهُمُ الْمَعَاصِيَ.
{بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا} قَالَ قَتَادَةُ: يعني جالوت الخزري وَجُنُودَهُ وَهُوَ الَّذِي قَتَلَهُ دَاوُدُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْنِي سَنْجَارِيبَ مِنْ أَهْلِ نِينَوَى.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بُخْتُنَصَّرُ الْبَابِلِيُّ وَأَصْحَابُهُ. وَهُوَ الْأَظْهَرُ.
{أُولِي بَأْسٍ} ذَوِي بَطْشٍ، {شَدِيدٍ} فِي الْحَرْبِ، {فَجَاسُوا} أَيْ فَطَافُوا وَدَارُوا {خِلَالَ الدِّيَارِ} وَسَطَهَا يَطْلُبُونَكُمْ وَيَقْتُلُونَكُمْ وَالْجَوْسُ طَلَبُ الشَّيْءِ بِالِاسْتِقْصَاءِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: جَاسُوا قَتَلُوكُمْ بَيْنَ بُيُوتِكُمْ.
{وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} قَضَاءً كَائِنًا لَا خُلْفَ فِيهِ. {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ} يَعْنِي: الرَّجْعَةَ وَالدَّوْلَةَ، {عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} عَدَدًا، أَيْ: مَنْ يَنْفِرُ مَعَهُمْ وَعَادَ الْبَلَدُ أَحْسَنَ مِمَّا كَانَ. {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} أَيْ: لَهَا ثَوَابُهَا، {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أَيْ: فَعَلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "فَسَلَامٌ لَكَ" (الْوَاقِعَةِ-91) أَيْ: عَلَيْكَ وَقِيلَ: فَلَهَا الْجَزَاءُ وَالْعِقَابُ.

الصفحة 79