كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

وَقِيلَ: يُسْأَلُ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْفُؤَادُ عَمَّا فَعَلَهُ الْمَرْءُ.
وَقَوْلُهُ: {كُلُّ أُولَئِكَ} أَيْ: كُلُّ هَذِهِ الْجَوَارِحِ وَالْأَعْضَاءِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَرْجِعُ "أُولَئِكَ" [إِلَى] (1) أَرْبَابِهَا.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّفَّاءُ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ الْعَبْسِيُّ حَدَّثَنِي بِلَالُ بْنُ يَحْيَى الْعَبْسِيُّ أَنَّ شُتَيْرَ بْنَ شَكَلٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ عَلِّمْنِي تَعْوِيذًا أَتَعَوَّذُ بِهِ فَأَخَذَ بِيَدِي ثُمَّ قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي وَشَرِّ بَصَرِي وَشَرِّ لِسَانِي وَشَرِّ قلبي وشر مَنِيَّ" قَالَ: فَحَفِظْتُهَا قَالَ سَعْدٌ الْمَنِيُّ مَاؤُهُ (2) .
{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) }
{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} أَيْ بَطَرًا وَكِبْرًا وَخُيَلَاءَ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْمَشْيِ فَلِذَلِكَ أَخْرَجَهُ عَلَى الْمَصْدَرِ، {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ} أَيْ لَنْ تَقْطَعَهَا بِكِبْرِكَ حَتَّى تَبْلُغَ آخِرَهَا {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} أَيْ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُطَاوِلَ الْجِبَالَ وَتُسَاوِيَهَا بِكِبْرِكَ. مَعْنَاهُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنَالُ بِكِبْرِهِ وَبَطَرِهِ شَيْئًا كَمَنْ يُرِيدُ خَرْقَ الْأَرْضِ وَمُطَاوَلَةَ الْجِبَالِ لَا يَحْصُلُ عَلَى شَيْءٍ.
وَقِيلَ: ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ مَشَى مُخْتَالًا يَمْشِي مَرَّةً عَلَى عَقِبَيْهِ وَمَرَّةً عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ لَنْ تَنْقُبَ الْأَرْضَ إِنْ مَشَيْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا إِنْ مَشَيْتَ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْكَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجُوزَجَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِذَا مَشَى يَتَكَفَّأُ تَكَفُّؤًا كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ" (3) .
__________
(1) في "أ": على.
(2) أخرجه أبو داود في الصلاة باب في الاستعاذة: 2 / 160 والترمذي في الدعوات: 9 / 464-465، وقال: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه"، وأخرجه النسائي في الاستعاذة باب الاستعاذة من شر البصر: 8 / 260، وصححه الحاكم: 1 / 533، ووافقه الذهبي. وأخرجه المصنف في شرح السنة: 5 / 168-169.
(3) أخرجه الترمذي في المناقب باب من صفاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجسمية: 1 / 116-117، وفي كتابه "الشمائل المحمدية" ص (85،86) بهامش شرح الباجوري، وأخرجه الإمام أحمد في المسند: 1 / 96، والمصنف في شرح السنة: 12 / 319. وهو حديث صحيح.

الصفحة 93