كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 5)

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُرْجَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ أَخْبَرَنَا الهيثم بن كليم حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ إِنَّا لِنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ" (1) .
{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) }
__________
(1) أخرجه الترمذي في المناقب باب في صفة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 10 / 131-132، وقال: "هذا حديث غريب" وأخرجه في الشمائل ص (85) وصححه ابن حبان ص (521-522) من موارد الظمآن، وأخرجه ابن سعد في "الطبقات": 1 / 380. وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف.
{ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) }
{كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ: بِرَفْعِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْهَاءِ عَلَى الْإِضَافَةِ وَمَعْنَاهُ: كُلُّ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} {كَانَ سَيِّئُهُ} أَيْ: سَيِّئُ مَا عَدَدْنَا عَلَيْكَ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَدَّ أُمُورًا حَسَنَةً كَقَوْلِهِ: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: " سَيِّئَةً " مَنْصُوبَةً مُنَوَّنَةً يَعْنِي: كُلُّ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ} إلى هذا 209/ب الْمَوْضِعِ سَيِّئَةٌ لَا حَسَنَةَ فِيهِ إِذِ الْكُلُّ يَرْجِعُ إِلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ دُونَ غَيْرِهِ وَلَمْ يَقُلْ مَكْرُوهَةً لِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَتَقْدِيرُهُ: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ مَكْرُوهًا سَيِّئَةً. [وَقَوْلُهُ {مَكْرُوهًا} عَلَى التَّكْرِيرِ لَا عَلَى الصِّفَةِ مَجَازُهُ: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئَةً وَكَانَ مَكْرُوهًا] (1) أَوْ رَجَعَ إِلَى الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ لِأَنَّ السَّيِّئَةَ الذَّنْبُ وَهُوَ مُذَكَّرٌ. {ذَلِكَ} الَّذِي ذَكَرْنَا {مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} وَكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَوْ نَهَى عَنْهُ فَهُوَ حِكْمَةٌ.
{وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} خَاطَبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْأُمَّةُ {فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} مَطْرُودًا مُبْعَدًا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من "ب".

الصفحة 94