كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 6)

عَلَيْكُمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} أَيْ: تَسْتَأْذِنُوا، {وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ السَّلَامَ فَيَقُولُ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ. وَفِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهَا: حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا وَتَسْتَأْذِنُوا. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَرُوِيَ عَنْ كَلَدَةَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ أُسَلِّمْ وَلَمْ أَسْتَأْذِنْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعْ فَقُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ (1) .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَأَدْخُلُ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا فَأَمَرَ بَعْضُهُمُ الرَّجُلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَسَلَّمَ فَأَذِنَ لَهُ (2) .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى إِنْسَانٍ قَدَّمَ السَّلَامَ، وَإِلَّا قَدَّمَ الِاسْتِئْذَانَ، ثُمَّ سَلَّمَ، وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَحُذَيْفَةُ: يَسْتَأْذِنُ عَلَى ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، وَمِثْلُهُ عَنِ الْحَسَنِ، وَإِنْ كَانُوا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ يَتَنَحْنَحُ وَيَتَحَرَّكُ أَدْنَى حَرَكَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ فَأَرْسَلَ عُمَرُ فِي أَثَرِهِ فَقَالَ: لِمَ رَجَعْتَ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُجَبْ فَلْيَرْجِعْ". قَالَ عُمَرُ: لَتَأْتِيَنَّ عَلَى مَا تَقُولُ بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا لَأَفْعَلَنَّ بِكَ كَذَا وَكَذَا غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ أَوْعَدَهُ، قَالَ: فَجَاءَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ مُمْتَقِعًا لَوْنُهُ وَأَنَا فِي حَلْقَةٍ جَالِسٌ، فَقُلْنَا: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: سَلَّمْتُ عَلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرَنَا خَبَرَهُ، فَهَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: نَعَمْ كُلُّنَا قَدْ سَمِعَهُ، قَالَ فَأَرْسَلُوا مَعَهُ رَجُلًا مِنْهُمْ حَتَّى أَتَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ (3) .
وَرَوَاهُ بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَفِيهِ: قَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ" (4) . قَالَ الْحَسَنُ: الْأَوَّلُ إِعْلَامٌ وَالثَّانِي مُؤَامَرَةٌ، وَالثَّالِثُ اسْتِئْذَانٌ بِالرُّجُوعِ.
__________
(1) أخرجه أبو داود في الأدب، باب: كيف الاستئذان: 8 / 56-57، والترمذي في الاستئذان، ما جاء في التسليم قبل الاستئذان: 7 / 490-491 وقال: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن جريج. ورواه أبو عاصم عن ابن جريج مثل هذا" والإمام أحمد: 3 / 414، والمصنف في شرح السنة: 12 / 284.
(2) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: 10 / 383، وذكره المصنف في شرح السنة: 12 / 284.
(3) انظر الرواية في الجامع للإمام معمر: 10 / 380 وهو عند الشيخين كما سيأتي في التعليقة التالية.
(4) أخرجه البخاري في الاستئذان، باب: التسليم والاستئذان ثلاثا: 11 / 26-27 وفي مواضع أخرى، ومسلم في الآداب، باب الاستئذان برقم (2153) : 3 / 1694، والمصنف في شرح السنة: 12 / 280-281.

الصفحة 30