كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 6)
كُلِّ الْأَحْوَالِ، فَقَالَ: "فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ" (النِّسَاءِ-103) . وَقَالَ: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} أَيْ: بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَفِي الصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ، وَفِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الذِّكْرُ الْكَثِيرُ أَنْ لَا تَنْسَاهُ أَبَدًا.
{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) }
{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44) }
{وَسَبِّحُوهُ} أَيْ: صَلُّوا لَهُ، {بُكْرَةً} يَعْنِي: صَلَاةَ الصُّبْحِ، {وَأَصِيلًا} يَعْنِي: صَلَاةَ الْعَصْرِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: "وَأَصِيلًا" صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءَيْنِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: قُولُوا سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَعَبَّرَ بِالتَّسْبِيحِ عَنْ أَخَوَاتِهِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: "ذِكْرًا كَثِيرًا" هَذِهِ الْكَلِمَاتُ يَقُولُهَا الطَّاهِرُ وَالْجُنُبُ وَالْمُحْدِثُ (1) . {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} فَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ: الرَّحْمَةُ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ: الِاسْتِغْفَارُ لِلْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ السُّدِّيُّ قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: أَيُصَلِّي رَبُّنَا؟ فَكَبُرَ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى مُوسَى، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنْ قُلْ لَهُمْ: إِنِّي أُصَلِّي، وَإِنَّ صَلَاتِي رَحْمَتِي، وَقَدْ وَسِعَتْ رَحْمَتِي كُلَّ شَيْءٍ (2) .
وَقِيلَ: الصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ هِيَ إِشَاعَةُ الذِّكْرِ الْجَمِيلِ لَهُ فِي عِبَادِهِ. وَقِيلَ: الثَّنَاءُ عَلَيْهِ.
قَالَ أَنَسٌ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ، يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا خَصَّكَ اللَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِشَرَفٍ إِلَّا وَقَدْ أَشْرَكَنَا فِيهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (3) .
قَوْلُهُ: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أَيْ: مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ يَعْنِي: أَنَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَهِدَايَتِهِ وَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ لَكُمْ أَخْرَجَكُمْ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ إِلَى النُّورِ، {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} {تَحِيَّتُهُمْ} أَيْ: تَحِيَّةُ الْمُؤْمِنِينَ، {يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ} أَيْ: يَرَوْنَ اللَّهَ، {سَلَامٌ} أَيْ: يُسَلِّمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَيُسَلِّمُهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ.
__________
(1) انظر: البحر المحيط: 7 / 237، زاد المسير: 6 / 397-398.
(2) انظر: الدر المنثور: 6 / 622.
(3) عزاه السيوطي في الدر المنثور: 6 / 622 لعبد بن حميد وابن المنذر.
الصفحة 360