كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 6)
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: "وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى"، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ، قَالَ: وَبَلَغَنِي بَعْضُ مَا آذَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاؤُهُ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِنَّ اسْتَقْرِبُهُنَّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَتَنْتَهُنَّ أَوْ لَيُبْدِلَنَّهُ اللَّهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ، حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى زَيْنَبَ فَقَالَتْ: يَا عُمَرُ مَا كَانَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ" (التَّحْرِيمِ-5) ، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ (1) .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} لَيْسَ لَكُمْ أَذَاهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، {وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَئِنْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْكِحَنَّ عَائِشَةَ (2) .
قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: هُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ (3) وَقَالَ: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} أَيْ: ذَنْبًا عَظِيمًا.
وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ الْعَالِيَةَ بِنْتَ ظَبْيَانَ الَّتِي طَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَتْ رَجُلًا وَوَلَدَتْ لَهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ (4) .
{إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) }
{إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} نَزَلَتْ فِيمَنْ أَضْمَرَ نِكَاحَ عَائِشَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (5) .
وَقِيلَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: مَا بَالُنَا نُمْنَعُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى بَنَاتِ أَعْمَامِنَا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ قَالَ الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ وَالْأَقَارِبُ: وَنَحْنُ أَيْضًا نُكَلِّمُهُنَّ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (6) .
__________
(1) أخرجه البخاري في التفسير، باب: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى 8 / 168، ومسلم في فضائل الصحابة، باب: فضائل عمر برقم: (2399) 4 / 1865 مختصرا، والمصنف في شرح السنة: 14 / 93-94، وللسيوطي رسالة في موافقات عمر، منشورة في الحاوي للفتاوى: 1 / 377 بعنوان (قطف الثمر في موافقات عمر) وانظر فيما سبق: 1 / 147 تعليق:1،2.
(2) ذكره الواحدي في أسباب النزول ص 417-418 بدون إسناد، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: 6 / 643 لابن مردويه عن ابن عباس.
(3) أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي بلاغا، وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة، انظر الدر المنثور: 6 / 643.
(4) أخرجه البيهقي في السنن: 7 / 73 عن يونس عن ابن شهاب بلاغا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: 6 / 644 لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.
(5) أخرجه ابن جرير: 22 / 40، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: 6 / 644 للبيهقي وابن سعد.
(6) انظر: الطبري: 22 / 41-42.
الصفحة 371