كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 6)
الْخَطَأِ، وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ فَكَانَتْ عَلَيْهِمْ مُؤَجَّلَةً مُنَجَّمَةً، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الْكِتَابَةَ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ وَحَالَّةً (1) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْخَيْرِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قُوَّةً عَلَى الْكَسْبِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: مَالًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "إِنْ ترك خيرا" (لبقرة-180) أَيْ: مَالًا وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدًا لِسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ لَهُ كَاتِبْنِي، قَالَ: أَلَكَ مَالٌ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: تُرِيدُ أَنْ تُطْعِمَنِي مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ، وَلَمْ يُكَاتِبْهُ (2) . قَالَ الزَّجَّاجُ: لَوْ أَرَادَ بِهِ الْمَالَ لَقَالَ: إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ خَيْرًا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَابْنُ زَيْدٍ وَعُبَيْدَةُ: صِدْقًا وَأَمَانَةً (3) وَقَالَ طَاوُسٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: مَالًا وَأَمَانَةً (4) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَظْهَرُ مَعَانِي الْخَيْرِ فِي الْعَبْدِ: الِاكْتِسَابُ مَعَ الْأَمَانَةِ، فَأُحِبُّ أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْ كِتَابَتِهِ إِذَا كَانَ هَكَذَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (5) . وَحَكَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ: "إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا" أَيْ: أَقَامُوا الصَّلَاةَ (6) . وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ بَالِغًا عَاقِلًا فَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا تَصْحُ كِتَابَتُهُمَا لِأَنَّ الِابْتِغَاءَ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ. وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ كِتَابَةَ الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خِطَابٌ لِلْمَوَالِي، يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَحُطَّ عَنْ مُكَاتَبِهِ مِنْ مَالِ كِتَابَتِهِ شَيْئًا، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَجَمَاعَةٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
__________
(1) في "أ": فعلله.
(2) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف": 8 / 374، والبيهقي: 10 / 320.
(3) أخرجه عبد الرزاق: 8 / 370، 371، والبيهقي: 10 / 318.
(4) انظر: مصنف عبد الرزاق: 8 / 370، والبيهقي: 10 / 318.
(5) أخرجه الترمذي في فضائل الجهاد، باب ما جاء في المجاهد والمكاتب والناكح..: 5 / 296، وقال: "هذا حديث حسن"، والنسائي في النكاح، باب معونة الله الناكح الذي يريد العفاف: 6 / 61، وابن ماجه في العتق، باب المكاتب: 2 / 841-842، وصححه الحاكم: 2 / 160، وأخرجه المصنف في شرح السنة: 9 / 7.
(6) أخرجه عنه عبد الرزاق في المصنف: 8 / 371.
الصفحة 42