كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 6)

أَهْلُ الْكُوفَةِ غَيْرَ حَفْصٍ "تُوقَدُ" بِالتَّاءِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِ الْقَافِ خَفِيفًا، يَعْنِي الزُّجَاجَةَ أَيْ: نَارَ الزُّجَاجَةِ لِأَنَّ الزُّجَاجَةَ لَا تُوقَدُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ وَضَمِّهَا خَفِيفًا يَعْنِي الْمِصْبَاحَ، {مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} أَيْ: مِنْ زَيْتِ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} وَأَرَادَ بِالشَّجَرَةِ المباركة: الزيتونة 41/أوَهِيَ كَثِيرَةُ الْبَرَكَةِ، وَفِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ، لِأَنَّ الزَّيْتَ يُسْرَجُ بِهِ، وَهُوَ أَضْوَأُ وَأَصْفَى الْأَدْهَانِ، وَهُوَ إِدَامٌ وَفَاكِهَةٌ، وَلَا يُحْتَاجُ فِي اسْتِخْرَاجِهِ إِلَى إِعْصَارٍ بَلْ كُلُّ أَحَدٍ يَسْتَخْرِجُهُ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "أَنَّهُ مَصَحَّةٌ مِنَ الْبَاسُورِ" (1) ، وَهِيَ شَجَرَةٌ تُورِقُ مِنْ أَعْلَاهَا إِلَى أَسْفَلِهَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْقَاسِمُ بْنُ بَكْرٍ الطَّيَالِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أبو أمية الطرسوسي، أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَطَاءٍ الَّذِي كَانَ بِالشَّامِ، وَلَيْسَ بِابْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَسَدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي أَسْلَمَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ" (2) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} أَيْ: لَيْسَتْ شَرْقِيَّةً وَحْدَهَا حَتَّى لَا تُصِيبَهَا الشَّمْسُ إِذَا غَرَبَتْ، وَلَا غَرْبِيَّةً وَحْدَهَا فَلَا تُصِيبُهَا الشَّمْسُ بِالْغَدَاةِ إِذَا طَلَعَتْ، بَلْ هِيَ ضَاحِيَةُ الشَّمْسِ طُولَ النَّهَارِ، تُصِيبُهَا الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، فَتَكُونُ شَرْقِيَّةً وَغَرْبِيَّةً تَأْخُذُ حَظَّهَا مِنَ الْأَمْرَيْنِ، فَيَكُونُ زَيْتُهَا أَضْوَأَ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ لَيْسَ بِأَسْوَدَ وَلَا بِأَبْيَضَ، يُرِيدُ لَيْسَ بِأَسْوَدَ خَالِصٍ وَلَا بِأَبْيَضَ خَالِصٍ، بَلِ اجْتَمَعَ فِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهَذَا الرُّمَّانُ لَيْسَ بِحُلْوٍ وَلَا حَامِضٍ، أَيِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الْحَلَاوَةُ وَالْحُمُوضَةُ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسِ فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ وَالْكَلْبِيِّ، وَالْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَجَمَاعَةٌ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَقْنَاةٍ لَا تُصِيبُهَا الشَّمْسُ وَلَا فِي مَضْحَاةٍ لَا يُصِيبُهَا الظِّلُّ، فَهِيَ لَا تَضُرُّهَا شَمْسٌ وَلَا ظِلٌّ.
__________
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: 17 / 281، وابن أبي حاتم في العلل: 2 / 279 وقال: "قال أبي: هذا كذب" وذكره الذهبي في الميزان: (3 / 40) في ترجمة عثمان بن صالح وهو علة هذا الحديث؛ لينَّة أحمد بن صالح. قال الهيثمي في "المجمع": (6 / 100) : "رواه الطبراني، وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح، ولكن ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمة عثمان عن أبي صالح ونقل عن أبي حاتم أنه كذاب". وزاد ابن حجر نسبته لأبي نعيم في الطب، والثعلبي، انظر: الكافي الشاف ص (119) ، سلسلة الأحاديث الضعيفة: 1 / 228.
(2) أخرجه الترمذي في الأطعمة، باب ما جاء في أكل الزيت: 5 / 585-586 وقال: "هذا حديث غريب من هذا الوجه، إنما نعرفه من حديث عبد الله بن عيسى" وصححه الحاكم: 2 / 398، وأخرجه الدارمي في السنن: 2 / 28، والإمام أحمد في المسند: 3 / 497، والمصنف في شرح السنة: 11 / 311.
قال الألباني: "روي من حديث عمر، وأبي أسيد، وأبي هريرة، وعبد الله بن عباس.. وساق طرقه إليهم ثم قال: وجملة القول أن الحديث بمجموع طريقي عمر وطريق أبي سعيد يرتقي إلى درجة الحسن لغيره على أقل الأحوال. والله أعلم". انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة: 1 / 354-357.

الصفحة 47