كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 6)

وَرَوَى صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى" "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ"، قَالَ: إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ مَسَاجِدَ لَمْ يَبْنِهَا إِلَّا نَبِيٌّ: الْكَعْبَةُ بَنَاهَا إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ فَجَعَلَاهَا قِبْلَةً، وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ بَنَاهُ دَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ، وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ بَنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدُ قُبَاءٍ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى بَنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1)
قَوْلُهُ: {أَنْ تُرْفَعَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: أَنْ تُبْنَى، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ من البيت" (لبقرة-127) ، قَالَ الْحَسَنُ: أَيْ تُعَظَّمَ أَيْ لَا يُذْكَرَ فِيهِ الْخَنَا مِنَ الْقَوْلِ. {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُتْلَى فِيهَا كِتَابُهُ، {يُسَبِّحُ} قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ "يُسَبَّحُ" بِفَتْحِ الْبَاءِ عَلَى غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، وَالْوَقْفُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ" "وَالْآصَالِ"، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ الْبَاءِ، جَعَلُوا التَّسْبِيحَ فِعْلًا لِلرِّجَالِ، {يُسَبِّحُ لَهُ} أَيْ: يُصَلِّي، {لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} أَيْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ. قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: أَرَادَ بِهِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ. فَالَّتِي تُؤَدَّى بِالْغَدَاةِ صَلَاةُ الصُّبْحِ، وَالَّتِي تُؤَدَّى بِالْآصَالِ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءَيْنِ لِأَنَّ اسْمَ الْأَصِيلِ يَجْمَعُهُمَا. وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ.
أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ ابن الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ" (2) . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: التَّسْبِيحُ بِالْغُدُوِّ صَلَاةُ الضُّحَى (3) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّمْعَانِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَشَى إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ مَشَى إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ" (4)
__________
(1) انظر: الدر المنثور: 6 / 203.
(2) أخرجه البخاري في المواقيت، باب فضل صلاة الفجر: 2 / 52، ومسلم في المساجد، باب فضل صلاتي الصبح والعصر، برقم (635) : 1 / 440، والمصنف في شرح السنة: 2 / 227.
(3) عزاه السيوطي في "الدر": (6 / 206) لابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإيمان.
(4) أخرجه أبو داود في الصلاة، باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة: 1 / 294. قال المنذري: "القاسم بن عبد الرحمن فيه مقال". والإمام أحمد: 5 / 268، والبيهقي في السنن: 3 / 49، والطبراني في الكبير: 8 / 150، 207، والمصنف في شرح السنة: 2 / 357، وانظر: نصب الراية: 3 / 151.

الصفحة 50