كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 6)

الْمَرْضَى وَالزَّمْنَى وَالْعُمْيِ وَالْعُرْجِ، وَقَالُوا الطَّعَامَ أَفْضَلُ الْأَمْوَالِ، وَقَدْ نَهَانَا اللَّهُ عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. وَالْأَعْمَى لَا يُبْصِرُ مَوْضِعَ الطَّعَامِ الطَّيِّبَ، وَالْأَعْرَجُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْجُلُوسِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ الْمُزَاحَمَةَ عَلَى الطَّعَامِ، وَالْمَرِيضُ يَضْعُفُ عَنِ التَّنَاوُلِ فَلَا يَسْتَوْفِي الطَّعَامَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (1) وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ "عَلَى" بِمَعْنَى "فِي" أَيْ: لَيْسَ فِي الْأَعْمَى، يَعْنِي: لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي مُؤَاكَلَةِ الْأَعْمَى وَالْأَعْرَجِ وَالْمَرِيضِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُمَا كَانَ الْعُرْجَانُ وَالْعُمْيَانُ وَالْمَرْضَى يَتَنَزَّهُونَ عَنْ مُؤَاكَلَةِ الْأَصِحَّاءِ، لِأَنَّ النَّاسَ يَتَقَذَّرُونَ مِنْهُمْ وَيَكْرَهُونَ مُؤَاكَلَتَهُمْ، وَيَقُولُ الْأَعْمَى: رُبَّمَا أَكَلَ أَكْثَرَ، وَيَقُولُ الْأَعْرَجُ: رُبَّمَا أَخَذَ مَكَانَ الِاثْنَيْنِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (2) . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتِ الْآيَةُ تَرْخِيصًا لِهَؤُلَاءِ فِي الْأَكْلِ مِنْ بُيُوتِ مَنْ سَمَّى اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَى الرَّجُلِ لِطَلَبِ الطَّعَامِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُطْعِمُهُمْ ذَهَبَ بِهِمْ إِلَى بُيُوتِ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ أَوْ بَعْضِ مَنْ سَمَّى اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَكَانَ أَهْلُ الزَّمَانَةِ يَتَحَرَّجُونَ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ وَيَقُولُونَ ذَهَبَ بِنَا إِلَى بَيْتِ غَيْرِهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (3) وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا غَزَوْا خَلَّفُوا زَمْنَاهُمْ وَيَدْفَعُونَ إِلَيْهِمْ مَفَاتِيحَ أَبْوَابِهِمْ وَيَقُولُونَ قَدْ أَحْلَلْنَا لَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِمَّا فِي بُيُوتِنَا، فَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ مِنْ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ لَا نَدْخُلُهَا
__________
(1) أخرجه الطبري: 18 / 168، وذكره الواحدي ص (381) ، وعزاه السيوطي: (6 / 224) أيضا لابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي. وانظر: مشكل القرآن لابن قتيبة ص (333) .
(2) الطبري: 18 / 168، الواحدي ص (381) .
(3) الطبري: 18 / 169، الواحدي ص (381) ، وعزاه السيوطي: (6 / 223) لعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وإبراهيم، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي.

الصفحة 63