كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 6)

سُورَةُ النُّورِ مَدَنِيَّةٌ (1) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) }
{سُورَةٌ} أَيْ: هَذِهِ سُورَةٌ، {أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو: "وَفَرَّضْنَاهَا" بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ: أَوْجَبْنَا مَا فِيهَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَأَلْزَمْنَاكُمُ الْعَمَلَ بِهَا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قَدَّرْنَا مَا فِيهَا مِنَ الْحُدُودِ، وَالْفَرْضُ: التَّقْدِيرُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ (الْبَقَرَةِ-237) أَيْ: قَدَّرْتُمْ، وَدَلِيلُ التَّخْفِيفِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ" (الْقَصَصِ-85) وَأَمَّا التشديد فمعناه: 34/أوَفَصَّلْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ. وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ أَيْضًا، وَالتَّشْدِيدُ لِلتَّكْثِيرِ لِكَثْرَةٍ مَا فِيهَا مِنَ الْفَرَائِضِ، أَيْ: أَوْجَبْنَاهَا عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدَكُمْ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. {وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} وَاضِحَاتٍ، {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} تَتَّعِظُونَ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} أَرَادَ إِذَا كَانَا حُرَّيْنِ بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ بِكْرَيْنِ غَيْرَ مُحْصَنَيْنِ "فَاجْلِدُوا": فَاضْرِبُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جِلْدَةٍ، يُقَالُ جَلَدَهُ إِذَا ضَرَبَ جِلْدَهُ، كَمَا يُقَالُ رَأَسَهُ وَبَطَنَهُ، إِذَا ضَرَبَ رَأْسَهُ وَبَطْنَهُ، وَذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَلْدِ لِئَلَّا يُبَرَّحَ وَلَا يُضْرَبُ
__________
(1) مدنية كلها بإجماع العلماء، أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة النور بالمدينة، وأخرج عن ابن الزبير مثله. انظر: الدر المنثور: 6 / 124، زاد المسير: 3 / 6.

الصفحة 7