كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 7)

بِمَعْنَى الْأَوَّلِ كَقَوْلِكَ: شَدَدْنَا وَشَدَّدْنَا بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ، وَقِيلَ: أَيْ: فَغَلَبْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ: مَنْ عَزَّ بَزَّ. وَقَالَ كَعْبٌ: الرَّسُولَانِ: صَادِقٌ وَصَدُوقٌ، وَالثَّالِثُ شَلُومُ، وَإِنَّمَا أَضَافَ اللَّهُ الْإِرْسَالَ إِلَيْهِ لِأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا بَعَثَهُمْ بِأَمْرِهِ تَعَالَى، {فَقَالُوا} جَمِيعًا لِأَهْلِ أَنْطَاكِيَةَ، {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} .
{قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) }
{قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} مَا أَنْتُمْ إِلَّا كَاذِبُونَ فِيمَا تَزْعُمُونَ.
{قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ}
{وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}
{قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} تَشَاءَمْنَا بِكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَطَرَ حُبِسَ عَنْهُمْ، فَقَالُوا: أَصَابَنَا هَذَا بِشُؤْمِكُمْ، {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ} لَنَقْتُلَنَّكُمْ، وَقَالَ قَتَادَةُ: بِالْحِجَارَةِ {وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} . {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} يَعْنِي: شُؤْمُكُمْ مَعَكُمْ بِكُفْرِكُمْ وَتَكْذِيبِكُمْ يَعْنِي: أَصَابَكُمِ الشُّؤْمُ مِنْ قِبَلِكُمْ. وَقَالَ ابن عباس 92/أوَالضَّحَّاكُ: حَظُّكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} يَعْنِي: وُعِظْتُمْ بِاللَّهِ، وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ مَحْذُوفُ الْجَوَابِ مَجَازُهُ: إِنْ ذُكِّرْتُمْ وَوُعِظْتُمْ بِاللَّهِ تَطَيَّرْتُمْ بِنَا. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: "أَنْ" بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْمَلِينَةِ "ذُكِرْتُمْ" بِالتَّخْفِيفِ {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} مُشْرِكُونَ مُجَاوِزُونَ الْحَدَّ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} وَهُوَ حَبِيبٌ النَّجَّارُ، (1) وَقَالَ الْسُّدِّيُّ: كَانَ قَصَّارًا (2) وَقَالَ وَهْبٌ: كَانَ رَجُلًا يَعْمَلُ الْحَرِيرَ، (3) وَكَانَ سَقِيمًا قَدْ أَسْرَعَ فِيهِ
__________
(1) أخرجه الطبري: 22 / 159 وعزاه السيوطي في الدر المنثور: 7 / 51 لعبد الرازق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وانظر تفسير ابن كثير: 3 / 569.
(2) ذكره ابن كثير: 3 / 569 والقصار: الذي يعمل بالقصارة، يقال: قصر الثوب، قصارة، وقصره قصارة: بيضّه ودقَّه بالقصر وهي قطعة من الخشب.
(3) ذكره ابن كثير: 3 / 569 عن ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه وجرير: الحبال.

الصفحة 13