كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 7)

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى: كَانَ أَصْحَابُ الشجرة ألفًا وثلثمائة، وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمُنَ الْمُهَاجِرِينَ (1) .
وَكَانَ سَبَبُ هَذِهِ الْبَيْعَةِ-عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا خِرَاشَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ الْخُزَاعِيَّ حِينَ نَزَلَ الْحُدَيْبِيَةَ، فَبَعَثَهُ إِلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ وَحَمَلَهُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، يُقَالُ لَهُ الثَّعْلَبُ لِيُبَلِّغَ أَشْرَافَهُمْ عَنْهُ مَا جَاءَ لَهُ، فَعَقُرُوا بِهِ جَمَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَادُوا قَتْلَهُ فَمَنَعَتْهُ الْأَحَابِيشُ، فَخَلُّوا سَبِيلَهُ حَتَّى أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لِيَبْعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَخَافُ قُرَيْشًا عَلَى نَفْسِي، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ مِنْ بني عدي 130/أبْنِ كَعْبٍ أَحَدٌ يَمْنَعُنِي، وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَدَاوَتِي إِيَّاهَا وَغِلْظَتِي عَلَيْهَا، وَلَكِنْ أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ هُوَ أَعَزُّ بِهَا مِنِّي: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ، فَبَعَثَهُ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَأَشْرَافِ قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِحَرْبٍ، وَإِنَّمَا جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ مُعَظِّمًا لِحُرْمَتِهِ، فَخَرَجَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَلَقِيَهُ أَبَانُ بْنُ سَعْدِ بْنِ الْعَاصِ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا، فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ وَأَجَارَهُ حَتَّى بَلَّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُظَمَاءُ قُرَيْشٍ لِعُثْمَانَ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَطُفْ بِهِ، قَالَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاحْتَبَسَتْهُ قُرَيْشٌ عِنْدَهَا، فَبَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نَبْرَحُ حَتَّى نُنَاجِزَ الْقَوْمَ"، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ، فَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجْرَةِ.
وَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ: بَايَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَوْتِ، قَالَ بَكْرُ بْنُ الْأَشَجِّ: بَايَعُوهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَلْ عَلَى مَا اسْتَطَعْتُمْ".
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ: لَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَ بيعة الرضوان رجلا مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو سِنَانَ بْنُ وَهْبٍ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَهَا إِلَّا جَدُّ بْنُ قَيْسٍ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ، قَالَ جَابِرٌ: لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ لَاصِقًا بِإِبِطِ نَاقَتِهِ مُسْتَتِرًا بِهَا مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ بَاطِلٌ (2) .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشَّرِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ فَنْجَوَيْهِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ نَضْرَوَيْهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْجَوْنِيُّ، حَدَّثَنَا
__________
(1) أخرجه البخاري في المغازي، باب غزوة الحديبية: 7 / 443، ومسلم في الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال برقم: (1857) 3 / 1485.
(2) أخرجه ابن إسحاق: 2 / 314-316. وانظر: تعليق الألباني على "فقه السيرة" للغزالي ص (342) .

الصفحة 305