كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 7)

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لِمَا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا: الْآنَ نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ (1) .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ الْيَهُودَ مِنْهَا، وَكَانَتِ الْأَرْضُ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، فَسَأَلَ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْرُكَهُمْ عَلَى أَنْ يَكْفُوا الْعَمَلَ وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا". فَأَقَرُّوا حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ فِي إِمَارَتِهِ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرَيْحَاءَ (2) .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا سَمِعَ أَهْلُ فَدَكٍ بِمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ وَيَحْقِنُ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ، وَيُخَلُّوا لَهُ الْأَمْوَالَ، فَفَعَلَ. ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَامِلَهُمُ الْأَمْوَالَ عَلَى النِّصْفِ، فَفَعَلَ عَلَى أَنَّا إِذَا شِئْنَا أَخْرَجْنَاكُمْ، فَصَالِحَهُ أَهْلُ فَدَكٍ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَكَانَتْ خَيْبَرُ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ فَدَكٌ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْلِبُوا عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ.
فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَتْ لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ امْرَأَةُ سَلَامِ بْنِ مِشْكَمٍ شَاةً مَصْلِيَّةً، وَقَدْ سَأَلَتْ أَيَّ عُضْوٍ مِنَ الشَّاةِ أَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقِيلَ لَهَا: الذِّرَاعُ، فَأَكْثَرَتْ فِيهَا السُّمَّ، وَسَمَّمَتْ سَائِرَ الشَّاةِ، ثُمَّ جَاءَتْ بِهَا فَلَمَّا وَضَعَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَنَاوُلَ الذِّرَاعَ فَأَخَذَهَا فَلَاكَ مِنْهَا مُضْغَةً فَلَمْ يَسُغْهَا، وَمَعَهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنُ مَعْرُورٍ، وَقَدْ أَخَذَ مِنْهَا كَمَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا بِشْرٌ فَأَسَاغَهَا، وَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَفِظَهَا، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هَذَا الْعَظْمَ لِيُخْبِرُنِي أَنَّهُ مَسْمُومٌ"، ثُمَّ دَعَا بِهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَقَالَ: "مَا حَمَلَكِ عَلَى ذَلِكَ؟ " قَالَتْ: بَلَغْتَ مِنْ قَوْمِي مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: إِنْ كَانَ مَلِكًا اسْتَرَحْتُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا فَسَيُخْبَرُ، فَتَجَاوَزَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ مِنْ أَكْلَتِهِ الَّتِي أَكَلَ.
قَالَ: وَدَخَلَتْ أُمُّ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ:
__________
(1) أخرجه البخاري في المغازي، باب غزوة خيبر: 7 / 495.
(2) أخرجه البخاري في فرض الخمس، باب: ما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه: 6 / 252، ومسلم في المساقاة، باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع برقم: (1551) : 3 / 1187-1188، والمصنف في شرح السنة: 11 / 183-184.

الصفحة 311