كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 7)

"يَا أُمَّ بِشْرٍ مَا زَالَتْ أَكْلَةُ خَيْبَرَ الَّتِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ مَعَ ابْنَكِ تُعَاوِدُنِي فَهَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي" (1) ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ شَهِيدًا مَعَ مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ مِنَ النُّبُوَّةِ.
{وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21) وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23) }
__________
(1) سيرة ابن هشام: 2 / 337-338.
{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) }
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} أَيْ وَعْدُكُمُ اللَّهَ فَتَحَ بَلْدَةٍ أُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا، {قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا} حَتَّى يَفْتَحَهَا لَكُمْ كَأَنَّهُ حَفِظَهَا لَكُمْ وَمَنَعَهَا مِنْ غَيْرِكُمْ حَتَّى تَأْخُذُوهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَفْتَحُهَا لَكُمْ.
وَاخْتَلَفُوا فِيهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ: هِيَ فَارِسُ وَالرُّومُ، وَمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَقْدِرُ عَلَى قِتَالِ فَارِسَ وَالرُّومِ، بَلْ كَانُوا خُوَّلًا لَهُمْ حَتَّى قَدَرُوا عَلَيْهَا بِالْإِسْلَامِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ: هِيَ خَيْبَرُ، وَعْدَهَا اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا، وَلَمْ يَكُونُوا يَرْجُونَهَا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ مَكَّةُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: حُنَيْنٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا فَتَحُوا حَتَّى الْيَوْمَ.
{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} .
{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني: أسد، وَغَطَفَانَ، وَأَهْلَ خَيْبَرَ، {لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ} [لَانْهَزَمُوا] (1) ، {ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} .
{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ} أَيْ كَسُنَّةِ اللَّهِ فِي نَصْرِ أَوْلِيَائِهِ وَقَهْرِ أَعْدَائِهِ، {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِالْيَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَؤُلَاءِ:
__________
(1) زيادة من "أ".

الصفحة 312