كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 7)

وَقَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ أَعْرَابِ بني تميم جاؤوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَادَوْا عَلَى الْبَابِ (1) .
وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَتْ بْنُو تَمِيمٍ فَنَادَوْا عَلَى الْبَابِ: اخْرُجْ إِلَيْنَا يَا مُحَمَّدُ، فَإِنَّ مَدْحَنَا زَيْنٌ، وَذَمَّنَا شَيْنٌ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّمَا ذَلِكُمُ اللَّهُ الَّذِي مَدْحُهُ زَيْنٌ وَذَمُّهُ شَيْنٌ، فَقَالُوا: نَحْنُ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ جِئْنَا بِشُعَرَائِنَا وَخُطَبَائِنَا لِنُشَاعِرَكَ وَنُفَاخِرَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا بِالشِّعْرِ بُعِثْتُ وَلَا بِالْفِخَارِ أُمِرْتُ، وَلَكِنْ هَاتُوا"، فَقَامَ شَابٌّ مِنْهُمْ فَذَكَرَ فَضْلَهُ وَفَضْلَ قَوْمِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَكَانَ خَطِيبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُمْ فَأَجِبْهُ"، فَأَجَابَهُ، وَقَامَ شَاعِرُهُمْ فَذَكَرَ أَبْيَاتًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: "أَجِبْهُ" فَأَجَابَهُ. فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمُؤْتًى لَهُ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي هَذَا الْأَمْرَ، تَكَلَّمَ خَطِيبُنَا فَكَانَ خَطِيبُهُمْ أَحْسَنَ قَوْلًا وَتَكَلَّمَ شَاعِرُنَا فَكَانَ شَاعِرُهُمْ أَشْعَرَ وَأَحْسَنَ قَوْلًا ثُمَّ دَنَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا يَضُرُّكَ مَا كَانَ قَبْلَ هَذَا" ثُمَّ أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَسَاهُمْ، وَقَدْ كَانَ تَخَلَّفَ فِي رِكَابِهِمْ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا أَعْطَاهُمْ، وَأَزْرَى بِهِ بَعْضُهُمْ وَارْتَفَعْتِ الْأَصْوَاتُ وَكَثُرَ اللَّغَطُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ فِيهِمْ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ" الْآيَاتِ الْأَرْبَعَ إِلَى قَوْلِهِ: "غَفُورٌ رَحِيمٌ". (2)
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ يَكُنْ نَبِيًّا فَنَحْنُ أَسْعَدُ النَّاسِ بِهِ، وَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا نَعِشْ في جنابه، فجاؤوا فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ، يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: "إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (3) .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) }
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق في التفسير: 2 / 230، وانظر: الطبري: 26 / 122 سيرة ابن هشام: 2 / 516.
(2) أخرجه الواحدي بسنده في أسباب النزول ص (447) ، وقال الحافظ ابن حجر في الكافي الشاف ص (156) : "أورده الثعلبي من طريق يعلى بن عبد الرحمن عن عبد الحميد بن جعفر عن عمر بن الحكم عن جابر "جاءت بنو تميم فدخلوا ... " فذكره مطولا. وأخرج المقطع الأول منه الترمذي: 9 / 152-153 عن البراء بن عازب وقال: "هذا حديث حسن غريب". وأخرجه الإمام أحمد: 3 / 488 عن الأقرع بن حابس، والهيثمي في المجمع: 7 / 108 عن الأقرع بن حابس ثم قال: "رواه أحمد والطبراني وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح إن كان أبو سلمة سمع من الأقرع وإلا فهو مرسل كإسناد أحمد الآخر".
(3) أخرجه الطبري: 26 / 121. وذكره ابن حجر في المطالب العالية: 3 / 375 ونسبه لمسدد، وإسحاق وأبي يعلى وقال البوصيري: "رجاله ثقات". وقال الهيثمي في المجمع: (7 / 108) : "رواه الطبراني وفيه داود بن راشد الطفاوي وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين". وانظر: الدر المنثور: 7 / 552-553، القرطبي: 16 / 309.

الصفحة 338