كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 7)
وَأُسَامَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ" (1) ، وَأَرَادَ: أَنْ يُظَنَّ بِأَهْلِ الْخَيْرِ سُوءًا {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الظَّنُّ ظَنَّانِ: أَحَدُهُمَا إِثْمٌ، وَهُوَ أَنْ تَظُنَّ وَتَتَكَلَّمَ بِهِ، وَالْآخَرُ لَيْسَ بِإِثْمٍ وَهُوَ أَنْ تَظُنَّ وَلَا تَتَكَلَّمَ.
{وَلَا تَجَسَّسُوا} التَّجَسُّسُ: هُوَ الْبَحْثُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْبَحْثِ عَنِ الْمَسْتُورِ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ وَتَتَبُّعِ عَوْرَاتِهِمْ حَتَّى لَا يَظْهَرَ عَلَى مَا سَتَرَهُ اللَّهُ مِنْهَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرْخَسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا" (2)
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ بِهَا، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْفَرَايِينِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن ناحية، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى الشَّيْبَانِيُّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَوْفَى ابن دَلْهَمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، يَتَتَبَّعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَتَبَّعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ".
قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ (3) .
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ: قِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: هَلْ لَكَ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا، فَقَالَ: إِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنِ التَّجَسُّسِ، فَإِنْ يَظْهَرْ لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذْهُ بِهِ (4) {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} يَقُولُ:
__________
(1) ذكره القرطبي: 16 / 330-331.
(2) أخرجه البخاري في الأدب، باب (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن) الآية، 10 / 484، ومسلم في البر والصلة، باب تحريم الظن برقم: (2563) : 4 / 1985، والمصنف في شرح السنة: 13 / 109-110.
(3) أخرجه الترمذي في البر والصلة، باب ما جاء في تعظيم المؤمن: 6 / 180-181 وقال: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسين بن واقد، وقد روى إسحاق بن إبراهيم السمرقندي عن حسين بن واقد نحوه، وقد روي عن أبي برزة الأسلمي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو هذا"، والإمام أحمد: 4 / 421، والمصنف في شرح السنة 13 / 104. وأخرجه أبو داود في الأدب، باب في الغيبة: 7 / 213-214 عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه.
(4) أخرجه أبو داود في الأدب، باب في النهي عن التجسس: 7 / 219، وعبد الرزاق في المصنف: 10 / 232، ومن طريق البيهقي في السنن: 8 / 334.
الصفحة 345