كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 7)

إِلَى مَكَانٍ، وَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَقْبَلَ يَشْتُمُنِي، بِمَعْنَى أَخَذَ فِي شَتْمِي، أَيْ أَخَذَتْ تُوَلْوِلُ كَمَا قَالَ: "قالت يا ويلتي"، (هُودٍ-72) ، {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَطَمَتْ وَجْهَهَا. وَقَالَ الْآخَرُونَ: جَمَعَتْ أَصَابِعَهَا فَضَرَبَتْ جَبِينَهَا تَعَجُّبًا، كَعَادَةِ النِّسَاءِ إِذَا أَنْكَرْنَ شَيْئًا، وَأَصْلُ الصَّكِّ: ضَرْبُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ الْعَرِيضِ.
{وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} ، مَجَازُهُ: أَتَلِدُ عَجُوزٌ عَقِيمٌ؟ وَكَانَتْ سَارَةُ لَمْ تَلِدْ قَبْلَ ذَلِكَ.
{قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) }
{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37) }
{قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ} ، أَيْ كَمَا قُلْنَا لَكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّكَ سَتَلِدِينَ غُلَامًا، {إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} .
{قَالَ} [يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ] (1) {فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} . {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} ، يَعْنِي: قَوْمَ لُوطٍ.
{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً} ، مُعَلَّمَةً، {عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِلْمُشْرِكِينَ، وَالشِّرْكُ أَسْرَفُ الذُّنُوبِ وَأَعْظَمُهَا.
{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا} ، أَيْ: فِي قُرَى قَوْمِ لُوطٍ، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: "فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقَطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ" (هُودٍ-81) .
{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ} ، أَيْ غَيْرَ أَهْلِ بَيْتٍ، {مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ، يَعْنِي لُوطًا وَابْنَتَيْهِ، وَصْفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَهُوَ مُسْلِمٌ.
{وَتَرَكْنَا فِيهَا} ، أَيْ فِي مَدِينَةِ قَوْمِ لُوطٍ، {آيَةً} ، عِبْرَةً، {لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} ، أَيْ: عَلَامَةً لِلْخَائِفِينَ تَدُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَهْلَكَهُمْ فَيَخَافُونَ مِثْلَ عَذَابِهِمْ.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من "أ".

الصفحة 377