كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 7)
{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) }
{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ "مَا كَذَّبَ الْفُؤَادُ" بِتَشْدِيدِ الذَّالِ أَيْ: مَا كَذَّبَ قَلْبُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى بِعَيْنِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، بَلْ صَدَّقَهُ وَحَقَّقَهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ: مَا كَذَبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رَأَى بَلْ صَدَقَهُ، يُقَالُ: كَذَبَهُ إِذَا قَالَ لَهُ الْكَذِبَ مَجَازُهُ: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ فِيمَا رَأَى، وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِي رَآهُ، فَقَالَ قَوْمٌ: رَأَى جِبْرِيلَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى" قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ (1) .
وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الرُّؤْيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَعَلَ بَصَرَهُ فِي فُؤَادِهِ فَرَآهُ بِفُؤَادِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ حَجَّاجٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى". "وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى" قَالَ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ (2) .
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ رآه بعينه 143/أوَهُوَ قَوْلُ أَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ، قَالُوا: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ (3) ، وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى إِبْرَاهِيمَ بِالْخُلَّةِ وَاصْطَفَى مُوسَى بِالْكَلَامِ وَاصْطَفَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرُّؤْيَةِ (4) .
وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ: لَمْ يَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ، وَتَحْمِلُ الْآيَةَ عَلَى رُؤْيَتِهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
__________
(1) أخرجه مسلم في الإيمان، باب ذكر سدرة المنتهى برقم: (174) : 1 / 158، والبخاري في التفسير - تفسير سورة النجم، باب (فأوحى إلى عبده ما أوحى) : 8 / 610.
(2) أخرجه مسلم في الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل: (ولقد رآه نزلة أخرى000) برقم: (176) : 1 / 158.
(3) ذكر ذلك ابن كثير:4 / 251 وقال: "فيه نظر والله أعلم" وعزاه السيوطي في الدر المنثور: 7 / 647 لابن مردويه.
(4) أخرجه الطبري: 27 / 48.
الصفحة 403