كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 7)
وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ" (1)
قَالَ الْسُّدِّيُّ: إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ فِي الْقُرْبَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَيْهِ، كَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا.
{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) }
{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} قَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ صَفُّوا أَقْدَامَهُمْ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: صُفُوفُ الْمَلَائِكَةِ فِي السَّمَاءِ لِلْعِبَادَةِ كَصُفُوفِ النَّاسِ فِي الْأَرْضِ.
{وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} أَيْ: الْمُصَلُّونَ الْمُنَزِّهُونَ اللَّهَ عَنِ السُّوءِ، يُخْبِرُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ [النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (2) أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيحِ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَعْبُودِينَ، كَمَا زَعَمَتِ الْكُفَّارُ، ثُمَّ أَعَادَ الْكَلَامَ إِلَى الْإِخْبَارِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ:
{وَإِنْ كَانُوا} وَقَدْ كَانُوا يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ، {لَيَقُولُونَ} لَامُ التَّأْكِيدِ.
{لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ} أَيْ: كِتَابًا مِثْلَ كِتَابِ الْأَوَّلِينَ.
{لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ فَكَفَرُوا بِهِ} أَيْ: فَلَمَّا أَتَاهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابُ كَفَرُوا بِهِ، {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} هَذَا تَهْدِيدٌ لَهُمْ.
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} وَهِيَ قَوْلُهُ: "كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي" (الْمُجَادَلَةِ -21) .
{إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} أَيْ: حِزْبُ اللَّهِ لَهُمُ الْغَلَبَةُ بِالْحُجَّةِ وَالنُّصْرَةِ فِي الْعَاقِبَةِ.
__________
(1) أخرجه الترمذي في الزهد، باب: في قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا" 6 / 601 - 603 وقال: "حسن غريب" وابن ماجه مطولا في الزهد، باب الحزن والبكاء برقم: (4190) 2 / 1402، والإمام أحمد: 5 / 173، وصححه الحاكم: 2 / 510، وفي 4 / 579 وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين وأقره الذهبي: وصححه الألباني في "الصحيحة" برقم (1722) .
(2) ما بين القوسين ساقط من "ب".
الصفحة 64