كتاب تفسير البغوي - طيبة (اسم الجزء: 7)
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182) }
{فَتَوَلَّ} أَعْرِضْ {عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْمَوْتَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَالَ الْسُّدِّيُّ: حَتَّى نَأْمُرَكَ بِالْقِتَالِ. وَقِيلَ: إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ اللَّهِ، قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ (1) .
{وَأَبْصِرْهُمْ} إِذَا نَزَلَ بِهِمُ الْعَذَابُ {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} ذَلِكَ فَقَالُوا: مَتَى هَذَا الْعَذَابُ؟
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * فَإِذَا نَزَلَ} يَعْنِي: الْعَذَابَ {بِسَاحَتِهِمْ} قَالَ مُقَاتِلُ: بِحَضْرَتِهِمْ. وَقِيلَ: بِفِنَائِهِمْ. قَالَ الْفَرَّاءُ (2) : الْعَرَبُ تَكْتَفِي بِذِكْرِ السَّاحَةِ عَنِ الْقَوْمِ، {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} فَبِئْسَ صَبَاحُ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ أُنْذِرُوا بِالْعَذَابِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ حَمِيدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ، أَتَاهَا لَيْلًا وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يَغْزُ حَتَّى يُصْبِحَ، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ خَيْبَرَ بِمِسَاحِيِّهَا وَمَكَاتِلِهَا، فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: مُحَمَّدٌ، وَاللَّهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ" (3) .
ثُمَّ كَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا تَأْكِيدًا لِوَعِيدِ الْعَذَابِ فَقَالَ:
{وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ * وَأَبْصِرِ} الْعَذَابَ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ، {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} . ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ فَقَالَ:
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} الْغَلَبَةِ وَالْقُوَّةِ، {عَمَّا يَصِفُونَ} مِنِ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْأَوْلَادِ.
{وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} الَّذِينَ بَلَّغُوا عَنِ اللَّهِ التَّوْحِيدَ وَالشَّرَائِعَ.
{وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} عَلَى هَلَاكِ الْأَعْدَاءِ وَنُصْرَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
__________
(1) انظر فيما سبق: 3 / 32 تعليق (1) ، 3 / 273 تعليق (2) .
(2) معاني القرآن: 2 / 396.
(3) أخرجه مالك في الموطأ باب ما جاء في الخيل: 2 / 468، والبخاري في الأذان، باب: ما يحقن بالأذان من الدماء: 2 / 89-90، ومسلم في الجهاد والسير، باب: غزوة خيبر برقم: 1365، 3 / 1426-1427، والمصنف في شرح السنة: 11 / 59.
الصفحة 65